شعرية اللغة في دواوين نادية نواصر
خاتمة
شهرية اللغة في دواوين نادية نواصر |
شغل الإبداع النسوي مساحات واسعة عند الكثير من النقاد والباحثين، وذلك بعد
ولوج المرأة مجالات مختلفة من الحياة الثقافية، السياسية والاجتماعية، وخاصة
مجال الإبداع الذي ظل حكرا على الرجل لزمن ليس بالقصير، وبعد هذا التطور ظهر ما
يسمي بـ"الأدب النسائي" و"النقد النسوي" وحينها حدثت ضجة كبيرة في الأوساط
الأدبية والنقدية.
من خلال رحلتنا الشيقة والممتعة مع (شعرية اللغة في دواوين نادية نواصر)
وإلمامنا ببعض جوانبه الفنية، الموضوعية والموسيقية نستنتج وبصفة عامة أن الأدب
النسوي في الجزائر لم يكن أبدا بذلك الضعف الذي يتصوره البعض، ونحن كباحثين
عرفنا قيمة تلك الكتابة التي أثرت ساحة الإبداع الجزائري، كما أنّه كان مجالا
واسعا استحق منّا هذا البحث، بل وما يزال في حاجة إلى من يُفرد له أعمالا أخرى
وفي مجالات أخرى خاصة الجانب الشعري منه، وقد مكنتنا هذه الرحلة من استخلاص بعض
النتائج والملاحظات نوجزها فيما يأتي:
1- رغم وجود اختلافات كثيرة
وآراء متعددة متعلقة بوجود "الأدب النسائي" وخصائصه إلا أن هناك فكرة معلومة
وجادة تتمثل في وجود فرق واضح بين أدب الجنسين، لأن المرأة تعبر عن مواقف
الحياة المختلفة بطريقة مختلفة نلمس فيها نوعا من العاطفة التي يبتعد عنها
الرجل في بعض المواقف. لقد عانت المرأة من التهميش زمنا طويلا قبل أن تخرج إلى
الساحة الأدبية بإبداعها الذي كان نتيجة وعيها وإدراكها الروحي والفكري، فرغم
الولادة العسيرة لهذا الأدب إلا أنّ المرأة المبدعة استطاعت في الأخير أن تحقق
له مكانته الخاصة لتفجر فيه مشاعرها وأحاسيسها وكلّ تجاربها الشعورية، فلغة
الأدب النسوي لغة خاصة بتراكيبها وأساليبها خاصة عند محاولة المبدعة إبراز
أنوثتها عبر النص أي توظيف لغة الجسد الذي أضحى بعدا جماليا وظاهرة لغوية
محمّلة بالدلالات ولا يسعه إلّا النص لتفجيرها.
2- الظهور المتأخر للأدب
النسائي في الجزائر كانت وراءه ظروف وأسباب مختلفة منها ما يتعلق بالاستعمار
وآثاره من جهة، وطبيعة المجتمع الجزائري وما كان يحكمه من عادات وتقاليد من جهة
أخرى، ورغم ذلك فقد استطاع الأدب النسائي أن يشق طريقه إلى أن أخذ مكانته في الساحة الثقافية العربية.
3- اشتغلت الأديبة الجزائرية
على الكثير من المواضيع خاصة المتعلقة بالمرأة، الوطن وحتى الجسد لتلّخص
تجاربها الشعورية والعاطفية، فاتسمت كتاباتها بسمات وخصائص لغوية وموضوعية في
الشعر والسرد خاصة الرواية الحديثة، فاكتسبت بذلك روح التمرد وكسر الطابوهات
واستخدام اللغة بشكل انزياحي من خلال اختيار المفردات الجديدة والغريبة والجريئة.
4- تُعتبر نادية نواصر من
الشاعرات المبدعات اللّواتي كانت لهنّ القدرة على إبراز قدرتهن الشعرية من خلال
لغتها الموحية، فقد تميز شعرها بتزاحم الصور والرموز المحملة بالمعاني
والدلالات لتجعل القارئ يحلّق بعيدا عن الواقع لأنّها لغة تشرف في التهويم
والرمزية وتتعالى في عالم الخيال وهكذا جاء خطابها شعريا متميزا...فحاولت من
خلال اللغة الشعرية أن تغوص في أعماقها بجماليات لفظية وتراكيب شعرية تنقلنا
إلى عالم غير مألوف.
5- أضفت الصورة الشعرية في
دواوين نادية نواصر لمسة جمالية لأن الشاعرة لم تقتصر على استخدام الصور
البلاغية القديمة، بل بنت بلغتها الشعرية صورا تخيلية قائمة على المشابهة
البسيطة، مرئية، ملونة ومعنوية، وقد تجسد ذلك بأسلوب جمالي قابل للتلقي، كما
تجاوزت الشاعرة ذلك إلى استخدام الصورة الرمزية بشكل لافت فشحنتها برموز دينية،
طبيعية وتاريخية فحققت بذلك كثافة لغوية ودلالات متعددة مكنت من تجسيد الحالة
الشعورية والنفسية للشاعرة داخل النص.
6- تمكنت الشاعرة من تجسيد
الموسيقى الشعرية ضمن نصوصها الشعرية باعتبارها عنصرا جماليا تجسد من خلال
الإيقاع الداخلي بصفة خاصة لأن الشاعرة كانت في معظم دواوينها تنتمي إلى قصيدة
النثر وبالتالي خلوها من الوزن والقافية إلا في البعض منها كما جاء في
ديوان "لهالة يغني الصباح" فهو شعر
عمودي اعتمدت فيه البحور الخليلية.
7- احتفى الإيقاع الداخلي
بالأصوات وما أضفته من جمالية سمعية داخل النص الشعري، كما كان التكرار من أبرز
الظواهر الإيقاعية التي ميزت خطاب نادية نواصر تماشيا مع الحالة الشعورية
والتجربة الشعرية المعاصرة وما تتطلبه حرية التعبير عن الواقع المادي والنفسي.
8- لعبت الثنائيات الضدية في
خطاب نادية نواصر دورا بارزا وأساسيا في تشكيل الإيقاع الداخلي للنص من خلال توظيف الشاعرة لهذه التقنية التي كثفت لغة النص وحمّلته دلالات متعددة
كما أنها تعمل على دغدغة حواس السامع وشد انتباهه، فتحدث نغمة موسيقية عذبة
يطرب الذوق لسماعها فالتضاد عنصر أساسي في تحقيق فاعلية وشعرية النص الأدبي،
فهو مخالفة يتلقاها القارئ عبر كسر السياق من خلال التأمل والتأويل، إنه أسلوب
يؤثر في القارئ أو السامع فينفعل به ويشحذ ذهنه ليفهم دلالته المتداخلة،
لأنه يجمع بين المعاني وإن كانت
متخالفة.
إن الشعر النسوي في الجزائر انطلاقا من شعر نادية نواصر قد سلط الضوء على
خصائص وموضوعات الشعر النسائي الجزائري بصفة عامة حيث استفادت الشاعرة من
التقنيات الجديدة للقصيدة المعاصرة ما يؤكد مواكبة الشاعرة للحداثة الشعرية،
وعلى الرغم من أن التجربة الشعرية النسوية في الجزائر جاءت متأخرة إلا أن كل
باحث يمكن له أن يجد فيه مطلبه وأن يتناوله من أي جانب شاء، وسيجد فيه لغة خاصة
وإبداعا متميزا.
وفي الأخير لا يسعنا إلا القول: إن أصبنا فمن فضل الله وإن أخطأنا فعزاؤنا
أنّنا باحثو علم نخطئ ونصيب، كما نأمل أن يُكلّل هذا العمل بالنجاح وأن يُفيد
بمعلوماته كل من يطّلع عليه كما أفادنا نحن فرسمنا من خلاله صورة المرأة العربية -والجزائرية
خاصة – المبدعة والمتألقة في عالم الكتابة الأدبية.
الرجوع الى المقال السابق اضغط هنا
تعليقات
إرسال تعليق