شعرية البنية النحوية والتركيبية في خطاب نادية نواصر
تمهيد:
يرى العديد من النقاد والدارسين أن هذا المستوى من الدراسة الشعرية يعتبر"الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الدلالة"[1]،ذلك أن ما يشغل ذهن الناقد هو دراسة الظواهر اللغوية البارزة عند الشاعر أو
الأديب، كما أن هذا المستوى يضم عناصر كثيرة تسهم في تفسير الخطاب الشعري
وإبراز مكامن الحسن والجمالية فيه إذ أن
"الجمالية في النص الأدبي ماثلة في نظام التركيب اللغوي للنص، أي في بنية
تركيب الجمل والمفردات، كما في بنية الزمان والمكان التي تولد فضاء النص،
وتخلق للفعل فيه مسافة ينمو فيها وأرضا يتحقق عليها فينسج العلاقات على
أكثر من محور تتقاطع وتلتقي، وتخلق غنى النص، وتعدد إمكانيات الدلالة
فيه"[2]، ولذلك تعتبر دراسة المستوى التركيبي وسيلة ضرورية للكشف عن السمات التي
تميز كل شاعر عن آخر، ويجب على الدارس للمستوى التركيبي أن يضع في عين
الاعتبار جملة من المسائل التي تنطلق منها لغة النص نفسه، لأن النص يعتبر
وحدة كاملة تتكون من عوامل جزئية تجعل هذا النص مبنيا على عنصر أساسي وهو
الاتساق، الذي يعتبر أحد المفاهيم الرئيسية في لسانيات النص، ويختص بالتماسك
على المستوى البنائي التركيبي
"إنه ذلك التماسك الشديد بين الأجزاء المشكلة لنص أو خطاب ما، يهتم فيه
بالوسائل اللغوية(الشكلية) التي تصلبين العناصر المكونة لجزء من خطاب أو
خطاب برمته"[3]، لأن ترابط كل تلك العناصر هو الذي يخلق بنية النص، ومن هنا فإن هذه
الأدوات هي مكونات فعالة في تحقيق الاتساق النصي، والمراد بالاتساق داخل النص
فهو ذلك الترابط والتماسك بين كل أجزاء النص من بدايته حتى آخر كلمة منه.
فالناقد أو المحلل يشكل طريقا خطيا منطلقا بذلك في تحليله للنص أو الخطاب من
"بداية الخطاب حتى نهايته راصدا الضمائر ووسائل الربط، والاستبدال
والمقارنة والاستدراك وغيرها من مظاهر الاتساق"[4]، لأن لكل مبدع أسلوبه الخاص في انتقاء تراكيبه اللغوية وتوليد علاقات
تجاورية جديدة، تبين مدى تجربته الشعرية والشعورية، ولأنه بذلك يكون قد اخترق
القاعدة اللغوية أي ينحرف بلغة النص عن المألوف، وبالتالي فإن هذا التركيب
اللغوي هو الذي يمنح الخطاب/النص خصوصيته.
إن دراسة البنية التركيبية والاتساق النصي تمكن القارئ/المتلقي من إدراك
العلاقات التي تربط بين الوحدات(الجمل) التي تكوّن هذا النص، ولذلك فالبحث في
هذا الاتساق النصي يرتبط دائما بطبيعة الروابط الشكلية للنص، ومن هنا يمكن
القول:إن لكل شاعر خصوصيات تفرض وجودها داخل نصه الشعري، إذ يأتي بها في نسيج
تركيبي متنوع المآخذ وذا رؤية شعرية منزاحة عن المألوف، فبنية الخطاب عند
نادية نواصر تميزها كشاعرة عن باقي الشعراء، ولذلك سنقف عند هذا المستوى الذي
يعنى بقضايا الجملة وما يطرأ عليها من تغيير، في محاولة منا للوقوف عند أهم
عناصر السياقات الخارجة عن المألوف مستنتجين خصائصها التركيبية وقيمها
الناتجة عن هذا العدول أو التغيير، ذلك أنه لدراسة الجملة أهمية كبيرة في
تحديد مظاهر الاتساق النصي، إذ عن طريقها يتم التواصل كما أنه ليس هناك خطاب
من دون جملة، وهذه الأخيرة نوعان(اسمية وفعلية) وهذان الأخيران يتكآن على
ركيزتين أساسيتين هما:
أ-المسند:
ويسمى أيضا المحكوم به أو المخبر به، والمسند قد يكون له متعلقات إذا كان
فعلا أو ما في معناه مثل المصدر، اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة،
اسم التفضيل والظرف.[5]
ب- المسند إليه:ويسمى المحكوم عليه أو المخبر عنه، والنسبة التي بين المسند والمسند إليه
تسمى الإسناد، المسند والمسند إليه قد تطرأ عليهما تغيرات تركيبية
"لأغراض بلاغية كالذكروالحذف، التقديم والتأخير، التعريف والتنكير...أو
الخروج عن مقتضى الظاهر في المسند إليه وفي غيره"[6]، فالمسند والمسند إليه هما الركنان الأساسيان، ولا يستغني أحد منهما عن الآخر، لكن ليس معنى ذلك أنهما واجبي الذكر، فقد يحذف أحدهما وقد يحذفان معا
إذا دل عليهما دليل وعموما
فإن لكل شاعر طريقته في اختيار وانتقاء تراكيبه اللغوية، وذلك انطلاقا من وحي
تجربته الشعرية، فمن المؤكد أنّ"كلّ تركيب أسلوبي في الخطاب يأتي استجابة لرؤية الشاعر وذلك لأن التركيب
اللغوي هو الذي يمنح الخطابكيانهوخصوصيته"[7]،
فالتراكيب مهما كان نوعها
فإنها تدل على خصوصية دلالية داخل الخطاب، فالتراكيب الاسمية تحمل في ثناياها
دلالات الثبات والاستقرار وهذا ما يجعلها الأكثر استخداما، يلجأ إليها
المبدع"للتعبير عن الحالات التي تحتاج إلى التوصيف والتثبيت، ذلك أن الاسم يخلو
من الزمن، ويصلح للدلالة على عدم التجدد، وإعطاءه لونا من التباث"[8].
أما التراكيب الفعلية
بما تتضمنه من أفعال تدل على خصوصية مختلفة عن التراكيب الاسمية، فهي تحمل في ثناياها
دلالات الحركة والنشاط وعدم الاستقرار والثبات،وتتجلى هذه الخصوصية في كون"الفعل يدخل فيه عنصرا الزمنوالحدث، على خلاف الاسم الذي يخلو من عنصر
الزمن، ولأن عنصر يكون الزمن داخل في الفعل، فهو ينبعث في الذهن
عند النطق بالفعل، وليس كذلك بالنسبة للاسم الذي يُعطى جامدا ثابتا لا
تتحدد من خلاله الصفة المراد إثباتها[9]، أما عن نادية نواصر فقد عمدت إلى توظيف الجمل بنوعيها، وكل تركيب يعبر عن
رؤى خاصة تكشف عن الغايات التي من أجلها وظفت التركيب الاسمي أو الفعلي، ومن
هنا سنحاول أن نقف عند أهم الظواهر التركيبية التي عدلت أو انزاحت فيها
الشاعرة عن التركيب النسقي الطبيعي والمألوف، والتي لاحظنا أنها جاءت كسمة
بارزة في خطابها الشعري.
أولا/ شعرية الحذف في خطاب نادية نواصر :
ويعتبر من الأساليب البلاغية التي تهدف إلى التقليل من كثرة الكلام وثقل
الخطاب حتى يكون له تأثير أكبر في نفسية المتلقي، لكن يجب أن يتوفر في الحذف
شرط أساسي وهو وجود قرينة في الكلام تدل على ذلك الحذف، فعادة ما يلجأ الشاعر
إلى الحذف من أجل التلخيص والاختصار، وتتم هذه العملية بحذف كلمة واحدة أو
تركيب، يدركه المتلقي من سياق النص
"ولا يحل محل المحذوف أي شيء، ومن ثم نجد في الجملة الثانية فراغا بنيويا
يهتدي القارئ إلى ملئه اعتمادا على ما ورد في الجملة الأولى أو النص
السابق"[10]، ولهذا الأسلوب أهمية كبيرة في تلبية حاجيات الشاعر الفنية من خلال ما
يصنعه هذا الحذف من استجابة بين الشاعر والمتلقي/القارئ بإثارة انتباهه
وتنشيط خياله، لأن الشاعر يكون قد ترك له مجالا للبحث والتوسع بخياله ليبلغ
مراده داخل ذلك النص، ويرى البعض أن"هناك ثلاث مزايا تراها كامنة وراء كل حذف يقع في اللغة وهي: الإيجاز
وإثارة وتحريك خيال المخاطب وأحاسيسه ليدرك من العبارة ما طوي ذكره وسكت
عنه، لأن ذكر الكلمة التي أقيم عليها الدليل وأشار إليها السياق يعد عبثا
بمقتضى البلاغة"[11].
وهنا تكمن براعة المبدع في الخروج عن اللغة المألوفة لدى القارئ بتوظيف
أنماط لغوية جديدة ضمن سياق تركيبي يكون لها تأثيرا أكبر على نفسية المتلقي،
وقد ورد الحذف عند نادية نواصر بصورة واضحة خاصة في بعض الدواوين حيث شكل
فيها الحذف ظاهرة بارزة كما جاء في مواضع معتبرة ضمن دواوين أخرى ومن أبرز
مواضع الحذف في ديوان"المشي في محرابك" هو حذف حرف النداء والمنادى كما نراها
تقول في قصيدة "أنت سيدي ومولاي":
هل تدرك
سيدي،
هل تدرك
معنى أن تضع الغجرية رحالها،
هل تدرك معنى أن تجعلك سيدها ومولاها
معك أنت
لا مجال للعقل ليحفر أحكامه[12]
وتواصل في الديوان نفسه قائلة:
أيها
الوقت هاك امتداد الرؤى
أيها الوجد هاك
اتقادي
أيها
الليل قف
كي تميط
الظلام على حلم رفرف
الأمس
على غصون الرؤى[13]
الملاحظ عل النصين السابقين هو حذف حرف النداء والذي قد يكون مرفوق أحيانا
بحذف المنادى أيضا، كما جاء في النص الأول فالأصل أن تقول:(يا سيدي)،(هل تدرك
يا سيدي معنى أن تضع الغجرية رحالها)، (هل تدرك يا سيدي معنى أن
تجعلك...)،(معك أنت يا سيدي لا مجال للعقل...)، وقد عمدت الشاعرة إلى هذا
الحذف تفاديا منها للتكرار المخل بالإيقاع، كما أنه قد يكون هدفها أن سيدها
هذا قد يكون قريبا منها فلا داعي لأن توظف حرف النداء، وهذا كي تجعل المتلقي
يفتح ذهنه على قراءات مختلفة ينتجها خياله إزاء هذا المنادى المحذوف فيدركه
القارئ من السطور الشعرية ليتمكن من تأويل هذا الحذف.
ومن أنواع الحذف أيضا في هذا الديوان هو حذف الجار والمجرور كما جاء في
قولها في قصيدة العام يخطو صوبنا:
أهديك ما أهديكه...
يا من
على هذيانه
يكون
صحوي
إني أغار
من الهوى
حين
يداعبك وتمضي
إني أغار
مما أكتبه إليك...
مم أقول
في القصائد
إني
أغار...![14]
وتقول في قصيدة"يسكنني فرح
حضورك ويجلدني فزع غيابك":
صعب على
القلب
أن يجالس
متاعبه
على حافة
الزمن ذات مساء
وحوله:
أوراقه
أشعاره
انتصاراته
انهياراته
ثم تواصل قائلة:
لغته..
أوجاعه..
أحزانه..
حيث يصبح
لكل منا
مراسمه
التي تؤرخها[15]
الملاحظ على النص الشعري الأول أن الشاعرة اضطرت إلى حذف شبه الجملة من
الجار والمجرور تفاديا منها للتكرار وثقل الكلام على مسمع القارئ، لكنها
غالبا ما تترك قرينة تدل عل ذلك الحذف يفهمه القارئ من خلال ما سبق في سياق
الكلام، وهو ما جاء في قولها (ما أهديكه)، فقد كانت"الهاء" حرفا تعويضيا
وقرينة دالة على ذلك الحذف والأصل أن تقول(أهديك ما أهديك من هدايا)،
فالشاعرة تدرك تماما أن التكرار قد يكون مخلا بالإيقاع الشعري للنص، والأمر
نفسه بالنسبة إلى قولها (إني أغار مما أكتبه إليك...) فحرف"الهاء" في
الفعل"أكتبه" والنقاط الثلاث المتوالية دليل تام على أن هناك حذف فالأصل أن
تقول مثلا(إني أغار مما أكتبه إليك من كلمات) لكن الشاعرة أرادت التخفيف من
ثقل الكلام،والهدف من ذلك هوإثارة ذهن القارئ وتفتيح خياله حول هذا المحذوف
فيستطيع بذلك ومن خلال تأويل الكلام أن ينتج للنص الواحد عدة قراءات كلما زاد
عدد المتلقين.
أما في المقطع الثاني فنجد الشاعرة قد بالغت بعض الشيء في غيرتها على حبيبها
من كل شيء، حتى من حبها له لدرجة أنها تركت كلامها محذوفا لتبين مدى عشقها
لحبيبها، هذا الذي أنساها حتى الكلام في قولها (إني أغار...) فالنقاط
المتوالية هي مساحة خاصة بالمتلقي ليبحث في غيرة الشاعرة على حبيبها، فقد
يكون هذا الحذف أحيانا هو هدف من الشاعرة لتبرز قيمة هذا الإنسان في قلبها
وأثره الكبير على حياتها، يدركه القارئ انطلاقا من خطابها السابق لهذا الحذف
إذ كله عبارة عن سياقات حب ورومانسية تبرز مكانة المحبوب عندها.
وفي النص الشعري الثاني فقد جسدت الشاعرة نوعا آخر من الحذف وهو حذف الحرف،
وقد كان هنا حرف"الواو" وهو حرف عطف يربط بين المفردات والجمل فالشعرية هنا
كانت مسترسلة في كلامها بإيقاع سريع لم تستطع من خلاله أن تربط بين الكلمات
حتى لا يختل هذا الإيقاع الشعري، والأصل أن تقول في المقطع الأول (وحوله
أوراقه وأشعاره وانتصاراته وانهياراته).
أما في المقطع الثاني فكان الأصل إما أن تضيف حرف"الواو" إلى الكلمات(لغته،
أوجاعه،...الخ)، أو أن تعيد تكرار شبه الجملة من الجار والمجرور (لكل منا) في
باقي الأسطر الشعرية.
لكن تجنب التكرار كان على
الأغلب الهدف من وراء هذا الحذف، وهو ما يستحسنه المتلقي ليكون الإيقاع خفيفا
على مسامعه وله في ذلك أيضا مساحة لإنتاج قراءة جديدة للنص الشعري، ولم يخل
ديوان"حديثزوليخة" هو الآخر من تقنية الحذف فقدكان بارزا لدى القارئ خاصة في
بعض القصائد حيث استخدمت فيها الشاعرة تقنية الحذف بصورة جلية كما جاء في
قصيدة"لن ينتحر الساحل"إذ تقول:
وآلمني...
أن أراك
وحيدا
تناشد
شجر الغربة
وأراك
وحيدا...
في برد
عرائك...
ثم تواصل:
طفل
أنت...
تعزف في
صدري
لحن
الزمن الأغبر[16]
تناشد الشاعرة في هذا النص
الشعري وطنها المكسور، فهي تتألم لجراحاته وانكساراته إذ أصبح في نظرها وحيدا
غريبا عن أهله وأفراد شعبه، وأصبحت هي غريبة داخل وطنها، وقد اضطرت الشاعرة
إلى حذف حرف النداء والمنادى في قولها (وآلمني...)،( وأراك وحيدا...)، (طفل
أنت...)، والأصل أن تضيف أسلوب النداء (يا وطني) إلى الجمل السابقة، وجاء
الحذف هنا تفاديا للتكرار، كما أن القارئ ومن بداية النص الشعري يدرك مباشرة
أنها تخاطب وطنها وتناشده، وبالتالي فهي غير مضطرة إلى تكرار ندائها في كل
مرة واكتفت بتوظيف النقاط الثلاث المتتالية كقرينة دالة على أنه هناك حذف في
السطر الشعري، وفي قصيدة"يبغونني أنس صلاتي" اضطرت الشاعرة إلى تجسيد تقنية
الحذف مرة أخرى في قولها:
سنة
تمرتلو سنة
وأنا
حبيبي
كما
أنا...
ثم تواصل:
العام
يمضي تلو عام
وأنا
هنا...
كما
أنا...
ما تبدل قراري[17]
وقد تجسد الحذف هنا في قولها(كما أنا...)، (وأنا هنا...)، ويمكن أن نقدر هذا
الحذف انطلاقا مما سبق في الخطاب الشعري بالفعل(موجودة)، لأن الشاعرة أرادت
أن توصل فكرة لحبيبها مفادها أنها كانت ولازالت كما هي لم يتغير فيها شيء حتى
حبها له بقي كما هو فهي لازالت تحبه حتى بعد مرور عدة سنوات، والملاحظ أن
ديوان"أنا اللاجئة إلى أعشاب صدرك" كان محطة للشاعرة في تجسيد هذه التقنية،
إذ لا تكاد قصيدة في الديوان تخلو من الحذف، تقول في قصيدة"أنت القاتل وأنا
القتيلة":
وحدي
أدور يا صديقي
وحدي
أدور
في
متاهاتي أدور...
حول
أشعاري أدور...
حول
أفكاري أدور
حول
انهزامي...
حول
جنوني...[18]
حذفت الشاعرة في هذا المقطع الشعري الفعل (كنت) فالأصل أن تقول مثلا(وحدي
كنت أدور)، (في متاهاتي كنت أدور)...الخ، كما حذفت الجملة الفعلية (كنت أدور)
في قولها (حول انهزامي)، (حول جنوني) لأنها كانت جملا ناقصة بالنظر إلى الجمل
التي سبقتها كما أن الشاعرة كالعادة قد تركت النقاط الثلاث المتتالية لتقدمها
للقارئ كقرينة دالة على أن هناك حذف في الكلام.
وتقول في قصيدة"امرأة
المسافات الملغمة بحبك":
باتجاهك...
عارية من
أناي
باتجاهك...
أخترق
صفارات الإنذار
باتجاهك...
حارقة
تراكمات الوقت
باتجاهك...
أكسر في
طريقي إليك
كل
القوانين والبيانات والمراسيم[19]
قامت الشاعرة في هذا النص الشعري بحذف (الفعل) في قولها(باتجاهك...) وكان
الأصل أن تقول مثلا (باتجاهك أمضي) تفاديا منها للتكرار، لأنها كانت قد وظفت
فعلين مختلفين قبل شبه الجملة(باتجاهك) بقولها:
أشعلتها لأضيء
المسافات باتجاهك
فاشتعلت
بك بدلا منه
ومضيت
تلتهمني نار التوق برعونة[20]
وفي موضع آخر تقول:
باتجاهك
أحمل قلبي واركض...
باتجاهك
يا رجلا يفكك زمانه مغالق كوني[21]
وانطلاقا من هذا يدرك المتلقي حتما أن هناك فعلا محذوفا بعد شبه الجملة
(باتجاهك) فيحاول أن يقدر هذا الفعل انطلاقا مما سبق في النص الشعري نفسه لأن
الشاعرة لم تغفل عن ذلك وإنما بهدف تفادي التكرار وحتى لا يكون كلامها مثقلا
على مسمع القارئ،
إن الشاعرة اعتمدت تقنية الحذف بصورة مكثفة في خطابها الشعري خاصة في بعض
الدواوين، لكن ارتأينا أن نقدم بعضا منها فقط كمثال على دلالة هذه التقنية في
وأهميتها داخل النص الشعري لكن لا يكاد أي ديوان من دواوينها يخلو من هذا
الأسلوب.
ثانيا/ شعرية التقديم والتأخيرفي خطاب نادية نواصر :
تقوم الجملة في النحو العربي على نظام معين في الترتيب، لكن هذا النظام قد
يتعرض لتغييرات على مستوى هذا الترتيب إذ يمكن أن نقدم عنصرا على آخر، وهو ما
يعرف في النحو بالتقديم والتأخير، وهي"ظاهرة أسلوبية تعنى بتغيير ترتيب العناصر التي يتكون منها الكلام، بمعنى
العدل عن الأصل العام الذي يقوم عليه بناء الجملة العربية والتشويش على
رتبتها"[22]، اهتمامات ودراسات كثيرة من قبل البلاغيين والنحاة.
ومما لا شك فيه أن التقديم والتأخير له أثر بالغ في صناعة أسلوب المبدع وإبراز مواهبه من جهة، وإثارة انتباه القارئ/المحلل من جهة أخرى لأنه يحدث تشويشا على مستوى تركيب الجملة، ذلك لأن"عنصر التقديم والتأخير يمثل عاملا مهما في إثراء اللغة الشعرية، وإغناء التحولات الإسنادية التركيبية في النص الشعري مما يجعله أكثر حيوية ويبعث في نفس القارئ الحرص على مداومة النظر في التركيب"[23] يلجأ إليه الشاعر أو الكاتب من أجل إيصال المعنى للقارئ بأسلوب مختصر وتركيب متميز، لأن التغيير على مستوى تركيب الجملة يؤدي بالضرورة إلى تغيير في دلالة الجملة، وهكذا يؤدي أسلوب التقديم والتأخير وظائف فنية، دلالية وصوتية، فالمبدع لا يتوقف عند النظام الحقيقي للجملة بل يتحرر منه ويتعداه إلى صناعة ترتيب جديد يروقه ليخلق بذلك صورة فنية جمالية يكون لها الأثر البالغ على نفسية المتلقي، لأنه يحمل في ثناياه"غرض بلاغي يكسب الكلام جمالا وتأثيرا، لأنه سبيل إلى نقل المعاني في ألفاظها إلى المخاطبين كما هي مرتبة في ذهن المتكلم حسب أهميتها عنده، فيكون الأسلوب صورة صادقة لإحساسه ومشاعره"[24]،فهو أسلوب يزيد الكلام دقة وتأكيد أكثر مما يكون عليه في الكلام العادي، وللتذكير فإن الجملة في الأصل تتكون من فعل، فاعل ومفعول به إذا كانت الجملة فعلية مع ما يلحق بها من توابع كالجار والمجرور، الظرف، أو فضلة كالحال والتمييز، أما إذا كانت الجملة اسمية فتتكون من مبتدأ وخبر، وعلى إثر هذا "تجب التفرقة بين التقديم والتأخير الحرين اللذين يتجليان في الجمل الاعتراضية وأفعال الظن، واليقين والرجحان وفي الجار والمجرور والظروف...وفي الانفصال"[25]،لكن كما قلنا قد يطرأ على هذا التركيب تغيير على مستوى الترتيب، فيتم نقل وتحريك عنصر من مكان لآخر لضرورة فنية يقتضيها كلام الشاعر أو الكاتب.
وإذا عدنا إلى خطاب نادية نواصر نجد أن أسلوب التقديم والتأخير قد ورد
كثيرا، خاصة في بعض الدواوين أين كان وجوده بارزا لدى القارئ إذ يطغى على
أغلب القصائد، ومن أبرز هذه الدواوين ديواني"صدى الموال"، "حديث زوليخة"
اللذين لفتا انتباهنا كثيرا في تجسيد هذا العنصر، ولذلك ارتأينا أن ندرس هذا
الأسلوب على مستوى هذين الديوانين من خلالإبراز هذه الظاهرة التي طغت على
أغلب القصائد، دون أن ننسى بعض الدواوين الأخرى التي جسدت فيها الشاعرة هذه
الظاهرة ولو بصورة معتبرة، وقد تجسدت هذه الظاهرة في خطاب نادية نواصر كما
يلي:
1/ على مستوى الجملة الاسمية في خطاب نادية نواصر :
وكان هذا النوع من التقديم بارزا بصورة جلية في ديوان "أنا اللاجئة إلى
أعشاب صدرك" إذ جسدت الشاعرة هذه الظاهرة في أكثر من ثمانية مواضع كقولها في
قصيدة "مدخل للفراغ":
باردة
الأمسيات
باردة
اللحظات
باردة
النبضات
باردة
الكلمات
بارد كل
شيء[26]
ثم تواصل في القصيدة نفسها:
مرعب كل
شيء
بارع كل
شيء[27]
الملاحظ على كل هذه الأسطر الشعرية أن الخبر فيها تقدم على المبتدأ، لأن
الأصل أن يتقدم المسند إليه على المسند لكن الشاعرة هنا فضلت تقديم الخبر على
المبتدأ لغاية فنية وإلا لكانت قالت: (الأمسيات باردة، اللحظات باردة، كل شيء
مرعب...)، والحالة نفسها تكررت في بقية القصائد كما جاء في قولها:
امرأة العراءات أنا يا سيدي[28]
فقد جاء المبتدأ "أنا" مؤخر في حين تقدم خبره"امرأة" المعرفة بالإضافة
والأصل أن تقول: أنا (امرأة العراءات يا سيدي)، والأمثلة من هذا النوع كثيرة
فنجدها تقول أيضا:
ملغمة بصماتك على جسدي[29]
وأصل الكلام أن تقول: (بصماتك ملغمة على جسدي) حيث يكون الخبر المؤخر معرف
بالإضافة في أغلب الأمثلة السابقة ومثل ذلك أيضا قولها في قصيدة "يوم أعلنت
عليك النسيان ضيعت ذاكرتي":
موزع جيشك في كل القلاع
ومدججة قراراتك بالتخطي والإصرار[30]
وبهذا التغيير في ترتيب عناصر الجملة أضافت الشاعرة للقصيدة دلالات خاصة، إذ
أكسبها سمة فنية وجمالية وكان له أثر عند المتلقي، وهذا ما جعل الشاعرة تكرر
حالات التقديم والتأخير للمبتدأ والخبر والذي قد يكون عدة مرات ضمن القصيدة
نفسها كما رأينا في المثال الأول، لأن هذا التغيير في تركيب الجملة كان
مقصودا من الشاعرة مع محافظتها على القواعد النحوية، ومن جهة أخرى فإن هذا
التغيير استطاعت الشاعرة به أن تعبر أكثر عن الأحاسيس والمشاعر وحالات التوتر
التي تنتابها أحيانا ومثال ذلك قولها:
متوجة بالنار والرعب أدغالك[31]
تخاطب الشاعرة هنا محبوبها الذي جعلها تتعذب بنار الحب، فقد أصبح حبه غابة
من النار تزرع الرعب في كل من يقترب منها وهي الحال التي أصبحت عليها الشاعرة
هنا، ولو أرادت الشاعرة لجعلت التركيب أصليا من حيث الترتيب الذي وضعه
النحاة، ولكانت قالت(أدغالك متوجة بالنار والرعب) لكنها أرادت أن يكون
تعبيرها أكثر تأثيرا في المتلقي فجعلت الخبر يتقدم(متوجة)وأخرت
المبتدأ(أدغالك)، وخرقها للنظام جاء بغرض جمالي ودقة أكثر في إبراز إحساس
الشاعرة وتوترها، وهكذا يمكن القول بأن التقديم والتأخير على مستوى الجملة
الاسمية كان بارزا أكثر في هذا الديوان مقارنة بالدواوين الأخرى، التي غاب
فيها هذا النوع من التركيب الإسنادي إلا في مواضع قليلة جدا، لأنه غلب عليها
التقديم والتأخير على مستوى الجملة الفعلية ومن هذه المواضع قولها:
جنية الوقت المطوق بسلاسله
الضوئية أنا[32]
في حين أن أصل الكلام أن تقول: (أنا جنية الوقت المطوق بسلاسله الضوئية)،
فقد قدمت الخبر "جنية" وأخرت المبتدأ"أنا" وتقول في ديوان آخر:
طفل أنت[33]
فقد جاء المبتدأ ضمير منفصل مؤخر"أنت" وتقدمه الخبر"طفل" وكان الأصل(أنت
طفل)، وقد جاء هذا التقديم والتأخير غاية من الشاعرة مفادها الإعلاء من شأن
المخاطب وقيمته فهذا التغيير فعلا له دلالة خاصة عند الشاعرة كما أن تأثيره
في المتلقي يكون أقوى من التركيب الأصلي للجملة ولهذا ارتأت الشاعرة إليه لأن
هدف كل شاعر هو التأثير في المتلقي بكل السبل والوسائل حتى ولو كان ذلك على
حساب ما وضعه النحويون من قواعد عامة للكلام.
2/ على مستوى الجملة الفعلية في خطاب نادية نواصر :
إن الترتيب الأصلي للجملة الفعلية أن نبدأها بالفعل، الفاعل ثم المفعول به
إذا كان الفعل متعديا وإلا فهو يكتفي بفاعله، وهذا الترتيب المتفق عليه من
قبل النحاة لكن في بعض الأحيان قد يختل هذا التركيب إذ يأتي المفعول به قبل
الفاعل، وأحيانا يدخل بين الفعل والفاعل شبه الجملة من الجار والمجرور، ورغم
ذلك فإن هذا التغيير لا يغير من المعنى وإنما يزيده بلاغة وفصاحة، كلما قدمنا
أو أخرنا في أحد عناصر الجملة كلماازداد الكلام إيضاحا، وقد تجسدت هذه
الظاهرة في شعر نادية نواصر بصورة واضحة في أغلب دواوينها، والملاحظ في ذلك
أن أغلب صور التقديم والتأخير عندها في الجملة الفعلية كانت بتأخير الفعل
والفاعل في حالتين؛ إما بالفصل بينهما بشبه الجملة من الجار والمجرور في حين
الأصل الوصل بينهما لا الفصل، أو بتقديم شبه الجملة على الفعل أو الفاعل
وبالتالي تأخيرهما، وسنحاول فيما يلي أن نرصد ذلك من خلال تقديم بعض الأمثلة
من كل ديوان تجسدت فيه هذه الظاهرة بصورة جلية:
أ-تقديم الجار والمجرور على الفاعل(توسط شبه الجملة بين العامل والمعمول) في خطاب نادية نواصر :
كقول الشاعرة:
يطلع من رماد قلبينا
شجر العشق
ويولد في غسق الفجر أطفال
يغسلون الأرصفة
بدورتهم الدموية[34]
نرى في الجملتين الأولى والثانية أنهما جملتان فعليتان، لكن تركيبهما النحوي
فيه خلل نحوي تمثل في انزياح التركيب عن أصله، لأن الفاعل تأخر عن الفعل
لتوسط شبه الجملة بين العامل والمعمول، والأصل أن نقول(يطلع شجر العشق من
رماد قلبينا، ويولد أطفال في غسق الفجر)، وهكذا يستوي التركيب فالأصل الوصل
بين العمل والمعمول لا الفصل بينهما.
والأمثلة كثيرة في هذا النحول إذ تقول الشاعرة:
وتنهض من
نومها الهامة القاعدة
وتطلع من
صولجان الزمان
أغاني الحياة[35]
وتقول في موضع آخر من الديوان في قصيدة "عودة العربي بن مهيدي":
تاه به الخطو[36]
المتأمل في الجمل الثلاثة يلاحظ أنها جمل فعلية إذ ابتدأت بفعل، لكن الفاعل
فيها يتأخر عن فعله، والأصح أن يليه مباشرة، إلا أن في هذه الحالات توسطت
بينهما شبه الجملة(بين العامل والمعمول)، والصواب أن نقول:(تنهض الهامة
القاعدة من نومها، وتطلع أغاني الحياة من صولجان الزمان، تاه الخطو به)،
وبهذا نعيد الخطاب إلى بنيته الحقيقية، أما من الناحية الدلالية فيمكن القول
بأن الشاعرة قدمت أشباه الجملة لاهتمامها بها، فمثلا في الجملة الأخيرة (تاه
به الخطو) هي تتحدث عن بطل من أبطال الثورة التحريرية وهو العربي من مهيدي
وعليه يعود الضمير المتصل"الهاء" في شبه الجملة"به" فهو الذي نهض من مثواه
الأخير ليعيد للوطن مجده ومكانته التي ضاعت مع الزمن، وبالتالي فهذا البطل هو
محل اهتمام من قبل الشاعرة التي آثرت أن تبرز قيمته ومكانته من خلال أسلوب
التقديم والتأخير، وفي ديوان "لبونة صهد القلب" لم تبرز هذه الظاهرة إلا في
مواضع قليلة منها قولها:
كي تطلع
من تحت الرماد
شمس الحق[37]
وفي موضع آخر:
تتسرب
من بين أصابعي
أضواء الفرح[38]
هما جملتان فعليتان تصدرتا بفعل، لكن الفعل يحتاج إلى فاعل موصول به هذا في
الأصل لكن في الجملتين السابقتين نجد شبه الجملة فصل بين الفعل والفاعل، وهذا
لا يعني أن الشاعرة تجل نظام النحو العربي وما يتضمنه من قواعد، لكنها عدلت
برغبتها ومعرفتها عن التراكيب الأصلية لأغراض بلاغية وفنية، تهدف من ورائها
إلى التأثير في القارئ وجعل كلامها يتزين بشعرية أكثر مما يكون عليه التركيب
الأصلي للكلام.
ب-تقديم الجار والمجرور على الفعل والفاعل في خطاب نادية نواصر :
وتجسدهذا في الكثير من المواضع نذكر منها قصيدتها "امرأة المسافات الملغمة
بحبك"[39]والتي جاء فيها ما يلي:
باتجاهك أحمل قلبي وأركض
باتجاهك أحمل نبضي على كاهلي وأركض
باتجاهك أخترق صوت صفارات الإنذار
هي جمل متفرقة من قصيدة واحدة، يتضح من خلال هذا النص الشعري أن الشاعرة
متيمة بحب بعيد المنال، فهي تظل تركض وتبحث عن هذا الحب ولم يوقفها لا الظلام
ولا الأدغال ولا حتى بعد المسافة، وكي تبرز الشاعرة أهمية هذا الشخص وقيمته
عندها قررت أن تخترق النظام التركيبي الأصلي للجملة، فبدل أن تبدأ بأفعالها
الجنونية نحو هذا الحب آثرت أن تقدم هذا المخاطب في شبه
الجملة(باتجاهك)فالكاف ضمير متصل يعود على محبوبها الذي تبحث عنه والأصل في
الكلام أن تقول مثلا(أحمل قلبي وأركض اتجاهك)، ولكن حتى المتلقي يلاحظ أن
دلالة الكلام في التركيب الجديد تكون أكثر شعرية وجمالية منه في التركيب
الأصلي وهو يدرك أيضا أن الشاعرة تعي جيدا ما تواضع عليه النحاة في ترتيب
عناصر الجملة إلا أنها تدرك من جهة أخرى أن الانزياح أو العدول عن اللغة
العادية يزيد الكلام إيضاحا وجمالية أكثر، كما يكون تأثيره على المتلقي ذا
فاعلية وتفاعل.
وفي قصيدة "معك تسقط كل
الشعارات"[40]
تجسد هذا التركيب بصورة جلية، إذ تكرر في أكثر من خمسة مواضع في القصيدة
نفسها، وقبل تحديد هذه المواضع أردنا الإشارة إلى أن الشاعرة في هذا النص
الشعري تخاطب معشوقها الذي لقبته بـ "العزيز" وهي بجانبه تعيش فرحا وسعادة
ومعه ينجلي الحزن فهو كل شيء بالنسبة لها ومن دونه لا يمكنها أن تتنفس،
استفتحت الشاعرة نصها بشبه الجملة ثم أسلوب النداء ليأتي بعدهما الفعل
والفاعل (معك أيها العزيز، تسقط كل الشعارات)، ولو أعدنا الجملة إلى تركيبها
الصحيح لقلنا (أيها العزيز تسقط كل الشعارات معك)، أو نقول (تسقط كل الشعارات
معك أيها العزيز)، لكن الشاعرة أرادت أن تؤكد قيمة هذا الإنسان ومكانته لدرجة
أنها خاطبته بضمير متصل ثم أداة نداء ومنادى مرة أخرى، وقد كان لها أن تكتفي
بالضمير في شبه الجملة"معك" لكنها أضافت له لقب العزيز حتى يدرك القارئ
للوهلة الأولى من قراءة النص أن هذا الشخص غير عادي بالنسبة للشاعرة، ثم
توالت مثل هذه التراكيب في بقية النص عدة مرات منها (معك أصرخ وألهو، معك
أخترق تراكمات الوقت، معك أكابد حرائق الذات، معك يسقط سلطان الحزن. كلها جمل تأخر فيها الفعل والفاعل على شبه الجملة من الجار والمجرور"معك"،
فالشاعرة تحاول من خلال هذا التركيب أن تؤثر في القارئ ليبحث عن حقيقة هذا
الشخص داخل النص وبالتالي تكون قد أثرت فيه عن طريق اختراقها لنظام الجملة
وتركيبها الأصلي، فيضطر المتلقي إلى إعمال خياله ليحاول أن يدرك قيمة ومكانة
هذا الشخص المحبوب والعزيز على قلب الشاعرة، لكن المؤكد أن الخلل في هذه
التركيبات قد زاد الكلام وضوحا أكثر ودلالة أعمق منه في الكلام العادي أو
التركيب الأصلي للجملة، كما أن هذه الانزياحات تبرز في النص سمة إيقاعية
يدركها القارئ فور قراءته للنص الشعري، وهذا ما ترجوه الشاعرة وتهدف إليه من
وراء هذه التغييرات على مستوى التركيب النحوي للجملة، تقول الشاعرة
آتيك بونةومن دمي ينبثق
مزن الشوق[41]
والملاحظ دائما في خطاب
نادية نواصر أنها كلما قدمت شبه الجملة إلا وكان حديثها يحول حول شخص عزيز
عليها أو مكان تحبه وقريب من قلبها كثيرا وهذا ما نلمسه في هذا النص الشعري
الموسوم بـ"لبونة صهد القلب"، هي إذا"بونة" مسقط رأسها ومرتع طفولتها، تقول
الشاعرة (ومن دمي ينبثق مزن الشوق)، قدمت الشاعرة في هذه الجملة شبه الجملة
من الجار والمجرور (ومن دمي) على الفعل والفاعل (مزن الشوق)، لما لا ودمها
يغلي على مدينتها التي ترعرعت في حضنها طيلة حياتها، فهي ابنتها الشرعية التي
تبنتها، دمها يغلي شوقا لها، حتى أنها شبهت هذا الشوق بالمزن حين تنبثق منه
الأمطار، فهكذا دمها أمطر شوقا وحنينا لموطنها وبلدتها"بونة"، ولو قالت
مثلا(ومزن الشوق ينبثق من دمي) لكان الكلام صحيحا وتركيبه أصلي، إلا أنها
أرادت أن يكون لخطابها فاعلية وتأثير أكبر على نفسية القارئ، من خلال ما
عدولها وانزياحها عن التركيب الأصلي للجملة.
ومن الأمثلة كذلك عن تأخير
الفعل والفاعل ما جاء في ديوان "صدى الموال" مثل:
كجثة وقت بعاشقها تستجير[42]
على ضفاف وقته أُغتيل النشيد[43]
على ظهر الزبد رسم قصيدته الجريحة[44]
الملاحظة نفسها على هذه الجمل الثلاثة، حيث قدمت الشاعرة أشباه الجمل وأخرت
الفعل والفاعل، ليكون لتلك الجمل معنى أكثر وضوحا وتأثيرا، فالجملة الأولى
مثلا كان الأصل فيها أن تقول ( تستجير بعاشقها كجثة وقت)، لكن الشاعرة لم
تكتف بشبه جملة واحدة بل وظفت اثنتين منها وأخرت الفعل والفاعل الذي جاء ضمير
مستتر تقديره"هي"، أما الجملة الثانية فد أخرت فيها الشاعرة الفعل المبني
للمجهول"أُغتيل" ونائب الفاعل"النشيد" وتقدمتهما شبه الجملة (على ضفاف وقته)،
وفي الجملة الأخيرة أيضا قدمت الشاعرة شبه الجملة(على ظهر الزبد) وأخرت الفعل
والفاعل والمفعول به (رسم قصيدته المجروحة)، وهنا قد يكون الغرض من ذلك هو
سمة إيقاعية جسدتها الشاعرة في النص فلو قالت مثلا (رسم قصيدته الجريحة على
ضفاف وقته) لكان الإيقاع الصوتي مختلا فهي تقول:
على ظهر الزبد
رسم قصيدته الجريحة
عمق معناها غزة وأريحا
وهكذا اختلفت الأغراض والأهداف من وراء تأخير الفعل والفاعل وتقديم شبه
الجملة فمنها البلاغية والجمالية والفنية ويبقى الهدف الأسمى هو التأثير في
المتلقي بالأساليب المختلفة التي تجعل منه محللا وناقدا في الوقت نفسه.
ج-تقديم الجار والمجرور على المفعول به في خطاب نادية نواصر :
ومعنى ذلك: فعل+جار ومجرور+مفعول به، وقد تجسد هذا التركيب أيضا بشكل واضح
في خطاب الشاعرة خاصة في ديوان "لبونة صهد القلب" ومن الأمثلة على ذلك
نذكر:
- (أحط على سوادك تذكرة الرحيل)[45]، فأصل الجملة أن تقول: أحط تذكرة الرحيل على سوادك، لكنها قدمت الجار
والمجرور (على سوادك) لشدة حزنها، فالشاعرة من خلال النص تعيش حالة نفسية
متوترة وحزينة وهذا ما أرادت تأكيده للقارئ من خلال اللون الأسود الذي يدل هو
الآخر على الأسى والحزن.
-(أحضن في صدري صداع الأيام)[46]، تعيش الشاعرة حالة نفسية متوترة من أثر الحب الذي أنهك روحها وجعلها تعاني
آلاما وأحزانا حتى ضاق صدرها من حضنها لجراحات الأيام، وكيتبرز للقارئ حالتها
النفسية قدمت كالعادة شبه الجملة(في صدري) وكان الأصل في التركيب أن تقول
(أحضن صداع الأيام في صدري)، لكن صدرها ضاق بها لدرجة أنها لم تستطع تأخير
هذه الحالة النفسية ليدركها القارئ مباشرة من بداية السطر الشعري، وهكذا تكون
قد انزاحت باللغة عن أصلها لتصنع شعرية وجمالية أكثر من التركيب الأصلي
للجملة الفعلية.
-(أوقع بلون النبض قرار اللجوء إليك)[47]: والحالة نفسها في هذا التركيب فأصل الكلام هو(أوقع قرار اللجوء إليك بلون
النبض)، لكن الشاعرة أخرت المفعول به لتبين لنا حالتها النفسية وهي توقع هذا
القرار فقد جعلها هذا الحب تحس بنوع من الارتباك والتوتر لأنها ستمضي قرارا
مهما في حياتها وهو اللجوء إلى هذا الحب لتجعل منه تراثها العاطفي وتعيش
داخله كأنه منفى بالنسبة لها.
وتكررت مثل هذه التراكيب أيضا في ديوان حديث زوليخة" نذكر منها على سبيل
المثال:
-تعزف في صدري لحن الزمن الأغبر، فأقرأ فيك فاجعة الشعراء(حديث زوليخة
ص18).
-سأعلن في العشق ألف سقوط، وأعلن في الحب ألف انكسار(حديث زوليخة ص75).
والأمثلة مثل هذه كثيرة ومتنوعة تحاول الشاعرة من خلالها أن ترسم للقارئ
لوحة فنية تلونها بحالتها النفسية التي تتأرجح بين الحب والانكسار بين الحزن
والفرح، فمثل هذه الدهشة الشعرية تترك انطباعا يلمسه القارئ من خلال التجارب
الشعرية التي تعيشها الشاعرة داخل تلك النصوص، فتحاول أن ترسخ هذا الانطباع
في ذهن المتلقي لتكون لغتها أكثر تأثيرا من الخطاب أو التركيب العادي
للجمل.
يمكن القول: إن لأسلوب التقديم والتأخير في خطاب نادية نواصر أهميته الكبيرة
في خدمة البعد الدلالي والجمالي للنص الشعري،من خلال انزياحه عن البنية
الأصلية النحوية التي تواضع عليها العرب، كما أنه يبعث الغموض من خلال تكثيف
الصورة الشعرية مما يزيد في تأثير المتلقي الذي يقف أمام تركيب جديد من صنع
الشاعرة التي تتحايل على البنية الأصلية، وتريد من القارئ أن يعير انتباهه
لهذا العدول والانزياح حتى لا يمل من استخدام اللغة العادية في الخطاب الشعري
المتواصل.
ثالثا/ شعرية الأساليب الإنشائية في خطاب نادية نواصر :
لا يخرج الكلام المعبر عن المشاعر والأحاسيس والأفكار عن الأساليب الإنشائية
والخبرية، فهي أيضا تمثل بذاتها انزياحا باللغة عن لمألوف لها أثرا شاعري
تتركه في النص الشعري فهي عبارة عن تراكيب تفسر التجربة الشعورية عند كل
شاعر، ويتجلى ذلك من خلال استخدامه للأساليب الإنشائية التي تملك القدرة
الكبيرة على السيطرة على شعور المتلقي وربطه بالبعد النفسي بينه وبين المبدع وبالتالي القضاء على الرتابة التي
ينتجها الأسلوب الخبري، فالأساليب الإنشائية بنوعيها تعبر عن حيوية اللغة
التي يستخدمها الشاعر وتتنوع بتنوع أحاسيسه، أي"أنه ينظر في الأسلوب حيث يتجاوز المثالية في المنطق النحوي ويعدل عنها
إلى المستوى الفني الإبداعي"[48]، ويتم استخدام الأساليب الإنشائيةعن طريق عدة عوامل أهمها؛ العامل النحوي أو
الصرفي لأن التراكيب الإنشائية ترتكز على أدوات خاصة كالأداة في الاستفهام أو
صيغة الأمر في أسلوب الأمر، العامل المعنوي لأنها تترجم الانطباعات التي
تنعكس على أزمة الشعور، العامل النفسي لأن هذه الأساليب قد تنبني على حوار
يفضي إلى معان ودلالات معينة، وهذا ما سنحاول الكشف عنه من خلال خطاب نادية
نواصر، كما سنقف على دلالات هذه الأساليب الفنية في شعرها، لكن يجب الإشارة
أولا أن هناك بعضالأساليب التي كان لها ظهور بارز في أغلب دواوين الشاعرة
خاصة النداء، الاستفهام وسنحاول الوقوف عندها من خلال تقديم بعض الأمثلة عن
كل أسلوب.
1/أسلوب النداء في خطاب نادية نواصر :
أحد الأساليب الإنشائية للفعل"نادى" يتمثل في طلب إقبال المدعو إلى الداعي
"بأحد الحروف المخصومة وهي تنوب كل حرف منها مناب الفعل (أدعو)"[49].
ودراسة أسلوب النداء في الجانب التركيبي أمر مهم لدى الباحث، حتى وإن كان
النداء غير مقصود بذاته وإنما جاء كتنبيه للمخاطب من أجل الإصغاء لكلام
المنادي الموجه للمنادى له، فجملة النداء هي أن"ندعوا إنسانا باسمه أو بصفة من صفاته ليقبل عليك أو ينتبه إليك ويتم ذلك
بأدوات خاصة أشهرها الهمزة لنداء القريب قربا حسيا أو معنويا، يا، هيا،
أيا...إلخ"[50]، ويعتبر أسلوب النداء عموما من أهم الأساليب الإنشائية التي يستخدمها
الشاعر من أجل"إيصال أفكاره بصورة مباشرة إلى المتلقي، وهو وسيلة من وسائل الخطاب
البارزة التي يلجأ إليها الشاعر لعطف المخاطب إليه"[51]
اعتمد خطاب نادية نواصر على
أسلوب النداء كثيرا، وقد يكون النداء عندها مرتبطا بالنهي أو الأمر أو حتى
الاستفهام، فللنداء عدة أدوات منها"الهمزة، أي، أيا، هيا، يا، وقد يخرج النداء إلى أغراض مختلفة منها:
الإغراء، والاستغاثة والتعجب والاختصاص والتنبيه والتحسر"[52]، وما لاحظناه من خلال هذا الأسلوب أن الشاعرة وظفته لمناداة
العاقل(الإنسان)، وغير العاقل(الليل، الوطن، الطبيعة...).
مناداة العاقل:
وغالبا ما يتعلق الأمر هنا بالمحبوب أو الإنسان الذي يحوز مكانة ومقاما
عاليا عند الشاعرة، ومن هذه النماذج نذكر قصيدة "العام يخطو صوبنا" إذ
كررت فيها الشاعرة أسلوب النداء ثلاثين مرة باستعمال الأداة (يا) ومما جاء
فيها قول الشاعرة:
العام
يخطو يا صديقي
وأنا
أنتظرك
عام سعيد
يا صديقي
يا أيها
النبض
الذي
يجتاح نبضي
يا أيها
القلب الذي يحتل قلبي
أهديك
وردا يا صديقي[53]
تخاطب الشاعرة في هذا النص الشعري صديقها الذي ظلت تنتظره حتى عاد من غربته
إليها، فهي تتساءل ماذا ستهديه في العام الجديد الذي بقي القليل على حلوله،
وإلى جانب الأداة (يا) أضافت الشاعرة أداة أخرى (أي) مرفقة بالضمير المتصل
(الهاء) لتؤكد للمتلقي مكانة هذا الصديق عندها، فهي هنا تصف له حالتها عندما
كانت في انتظاره لأن النداء يساعد على البوح عن الأسرار وكشف المشاعر، وتقول
في قصيدة أخرى من الديوان نفسه:
هل تدرك
سيدي
معنى أن
تحبك امرأة
هل تدرك
سيدي
أن تضع
الغجرية رحالها؟
تعلن عرس سقوطها
معك أنت
سيدي
يفقد
بحري شواطئه
معك أنت
سيدي
ويا سيد
البحر[54]
تبدو الشاعرة من خلال هذا المقطع الشعري أنها تريد الإلحاح على فكرة معينة
تريد إيصالها للآخر، وذلك من خلال حذفها لأداة النداء وتكرار صيغته(سيدي)
لتفصح له عن هدفها المتمثل في التذكير بقيمته عندها ومقدار حبها له، ومن خلال
هذا التكرار وربط النداء بالاستفهام يعي المتلقي مدى تعلق الشاعرة بالطرف
الآخر وحاجتها إليه في كل الأوقات، واستخدام الشاعرة لهذا النداء يعكس حالتها
النفسية داخل النص الشعري، ومن نماذج ديوان "حديث زوليخة" قول الشاعرة في
قصيدة "يبغونني أنسى صلاتي" والتي تكرر فيها النداء حوالي عشر مرات:
يا سيد
النبضات
يا مولى
الوريد
يا حاكم
الرعشات
يا زهو
الشجون
يا صبح
هذي السوسنة
يا صوت
تلك الدندنة[55]
استخدمت الشاعرة النداء هنا في وصف الشخص الذي تخاطبه وتغازله بصيغ وعبارات
في قمة الرومانسية، وجاء النداء هنا على شكل جمل وصفية تصف من خلالها حبيبها،
وهذا التكرار في النداء جاء هنا كدلالة على تحدي الشاعرة لهؤلاء الذين يرفضون
حبها وانتظارها لهذا الإنسان الغالي على قلبها، والأمثلة من هذا النوع كثيرة
ومتعددة لكن أردنا أن نقدم أكثر المواضع التي كان فيها أسلوب النداء جليا من
خلال تكراره أكثر عدة مرات في القصيدة الواحدة.
نداء ما لا يعقل:وقد كان هذا النوع من النداء جليا في خطاب نادية نواصر الشعري خاصة عند
مخاطبتها للوطن أو مكان نشأتها وترعرعها أو حتى من خلال توجيه النداء إلى
الزمن والوقت، ومن أبرز الأمثلة ما جاء في قصيدة"ثورة الأنثى" حيث تتوجه
الشاعرة بندائها لبلدها القوي الثائر على كل من يحاول المساس بقيمه ومبادئه
حيث تقول:
سيدتي
ياوردة الشوك البرية
ويا هذا
الأرخبيل الناهض
من عمق
منا في الروح
يا وطنا
من مطر
يا عاصفة
من ثلج
من ريح
ومن إعصار
يا ثورة الأنثى
ضد القاتل والسجان[56]
وتقول في قصيدة"لبونة صهد
القلب":
آتيك يا
مأواي
ويا
ملاذي
يا مبتدأ
الرحلة
ومرتع
طفولتي
أنت يا
أميرة المدن
ومسقط
رأسي[57]
تصف الشاعرة من خلال المقطع الأول بلدها الجزائر ولقبته "بالأنثى" الثائرة
بوردة الشوك البرية التي تتصدى لكل من يحاول استغلالها والمساس بمبادئها،
وكانت الشاعرة من خلال هذين المقطوعتين في موقف وصفي، كما جاء في المقطع
الثاني حيث كانت الشاعرة تصف مدينة "بونة" موطنها ومكان ولادتها ومرتع
طفولتها، فقد وجهت الشاعرة النداء إلى غير العاقل لتصور للقارئ علاقتها
الوطيدة ببلدها وموطن إقامتها "بونة"، فقد تكرر أسلوب النداء في القصيدة
الثانية أكثر من خمس وعشرين مرة وكلها عبارة عن نداء مرتبط بالوصف للتعبير
على مدى تعلق الشاعرة بمدينتها ومسقط رأسها، وفيها تواصل قولها:
آه يا
حبوتي ومناغاتي
يا لغتي
الأم
يا امرأة
من دفء وحب
آه بونة
يا عشقي الممزوج بزقو النوارس
يا أميرة
النساء[58]
والملاحظ أن الشاعرة كلما خاطبت بلدها أو مدينتها إلا ووضعت لقب الأنثى أو
المرأة، فهي تصف بونة بأنها أميرة النساء ولقبت الجزائر بالأنثى الثائرة،
فالواضح أن الشاعرة تحاول أن تعطي قيمة للمرأة الجزائرية وترفع من مكانتها في
المجتمع حتى من خلال أسلوب النداء الموجه للوطن أو المدينة، أي أنها تحاول أن
تبرز مدى قوة المرأة لدرجة أنها تشبه مدينتها بقوتها وسحرها ومعزتها عندها،
ولم تستغن الشاعرة عن هذاالنوع من النداء فيديوان"صهوات الريح" حيث تقول في
قصيدة"يا وطنا كنت له جارية وكان لي السلطان":
يا وطنا
ينبض في ذاكرتي وفي شرياني
يا حزنا
يستهويني حبه حد الإدمان
يا من
كنت له جارية وكان لي السلطان[59]
وتقول في قصيدة
أخرى:
يا وطن
الأحبة
يا وطن
القضية
يا وطنا تحكمه المواجع
يا وطن
البترول والزيتون
يا وطن
المليون[60]
فكلما كان النداء موجها للوطن كانت الشاعرة تكثر منه لتؤكد للمتلقي مدى حبها
لوطنها بلد المليون شهيد، فهي توجه النداء للوطن المجروح والحزين لعلها تدرك
أن البشر لن يستمعوا لها فراحت توجه النداء بهذا الأسلوب ليدرك المجتمع أحزان
وطنه وخيراته التي ينعم بها، وهكذا تجسد أسلوب النداء في خطاب نادية نواصر
وما هذه المقاطع الشعرية إلا مثال على ذلك لأن الشاعرة قد ركزت كثيرا على هذا
الأسلوب في أغلب إن لم نقل كل دواوينها لغرض بلاغي وجمالي لعلها تستطيع بذلك
إيصال صوت وطنها إلى أهله.
2-أسلوب الاستفهام في خطاب نادية نواصر :
وهو طلب العلم بشيء لم يكن معلوما من قبل ويتم ذلك باستخدام أدوات خاصة
(الهمزة، هل، من، متى، ما، كيف، أنّى، كم، أي، أين، أيان) وهو أحد أبرز
الأساليب الإنشائية الطلبية يقوم في الأصل"على طلب ما هو في الخارج ليحصل في ذهنك نقش له تطابق، فيما سواه تنقش في
ذهنك ثم تطلب أن يحصل له في الخارج، فتنقش في الاستفهام تابعا وفي باقي
الطلبيات متبوعا"[61]، وقد ينتج الاستفهام معان مختلفة تفهم من سياق الكلام، وما يهمنا نحن في
هذه الدراسة هو موقع الاستفهام في خطاب نادية نواصر، وكيف أدى الاستفهام
عندها معان جديدة ومختلفة ليشكل بذلك ظاهرة أسلوبية لها خصائص وميزات في هذا
الخطاب.
وكثرة الاستفهام في شعر نادية نواصر دليل على ما أوضحنا من قبل بأنه أدى
معان مختلفة عن المعنى الأصلي، ومن ذلك إظهار الحب والحسرة والألم وإبراز
المشاعر عند مخاطبة المحبوب، تجلى الاستفهام بصورة كثيفة في قصيدة "شظايا
الذاكرة والمساء المهدد بالصحو" حيث تقول:
نسأل
كلانا
هل يسكنك
جوع الوطن مثلي؟
هل يسكنك
جوع الوعي مثلي؟
هل ينزف
حرفك في ليل يفقد آخره؟
هل أنت
موعود بنهاية البدايات
وبداية
النهايات مثلي؟
هل تتزوج
غربتك لتنجب حيرة.. فزعا ..ثورة؟
هل تعشق
كل سياسات الحب مثلي؟[62]
استخدمت الشاعرة أسلوب الاستفهام في هذه القصيدة حوالي ثماني عشرة مرة بأداة
الاستفهام"هل" متبوعة بعدة أفعال مضارعة تحمل في طياتها معان كثيرة تدل على
الحسرة والألم الذي تعيشه الشاعرة في غربتها، فهي تتساءل ما إذا كان الإنسان
الذي تخاطبه يعاني من تلك الآلام التي تعيشها هي، هل تحرقه نار الحب مثلما
فعلت بها، وقد يكون الغرض من الاستفهام هنا البحث عن جواب يشفي غليلها، فهي
تريد أن تعرف ما إذا كان هذا الشخص يتبادلها الشعور نفسه هل يحبها مثلما هي
تحبه؟
وفي موضع آخر تتساءل الشاعرة عن أحوال الوطن وما الذي يجعله يعيش كل هذه
الأحزان في زمن ما إذ نراها تقول في قصيدة"فلتربطوا الأحزمة فالوطن أجواؤه
ممطرة":
يا وطني
كثيفة هذي السحب
ممطرة
أجواؤك
وما لها
مضيفة الطائرة؟!
لم تذكر
رقم الرحلة؟!
لم تعطنا اسم البلد؟!
اسم
الزمان والمكان؟!
وما لنا
نوغل في الطلاسم؟!
وخلفنا
قائمة الأحزان؟!
وما الذي
يعقب هذا الصمت؟!
وما الذي
يعقبه الفراغ؟!
وما الذي
يعقب هذه الطلقة؟!
وما الذي
خلف ارتجاج الصوت؟!
يا وطنا
تحكمه المواجع؟[63]
استخدمت الشاعرة في هذا النص الشعري أداة الاستفهام "ما"، والمؤكد أن من
دلالاتها الحيرة والقلق، فالشاعرة هنا في حالة نفسية مضطربة جدا، كيف لا
ووطنها أجواؤه تمط حزنا وألما، كما أن الشاعرة ربطت هذا الاستفهام بعلامة
تعجب مفادها إلى أين يسير هذا الزمن الظالم بوطنها، تحاول الشاعرة من خلال كل
هذه الاستفهامات أن تثير عدة تساؤلات في ذهن القارئ أين هو من هذا الوطن
الجريح والمكسور؟ كما تهدف إلى إثارة مشاعره من خلال مشاعرها المتدفقة
بالأحزان والآهات، ومن أدوات الاستفهام أيضا التي اعتمدتها الشاعرة في خطابها
الأداة"كيف" خاصة في ديوانها "حديث زوليخة" حيث تقول في إحدى قصائده:
كيف عشقت
جنوني؟
كيف ركضت
صوب فتوني؟
كيف
تكبلني بعشب القلب الناعم؟
وأنا شجر
الشوك المتصاعد فيك؟
كيف
تواجد فيّ جدارك ضد جموحي؟[64]
ثم تواصل:
فكيف
يموت الوجع في ذاكرتي؟
وكيف يجف
البحر؟
وأنت
البحر يا سيدتي؟[65]
جاء الاستفهام هنا بالأداة"كيف"التي قد تكون استفهاما حقيقيا أو غيره، وهو
ما لاحظناه في توظيف الشاعرة لهذه الأداة إذ ربطتها بالتعجب لا بالسؤال على
الحال مثلا،"كما يرى سبويه الذي أخرجها مخرج الحال بقوله"وكيف: على أي حال"[66]، فإذا قلنا كيف زيد؟ كان معناه على أي حال هو زيد؟ وقد تكون للسؤال عن
التعجب كقوله تعالى: ((كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم)) البقرة،
الآية28، فالأداة هنا جاءت بغرض التعجب لا الاستفهام.
وإذا عدنا إلى النص الشعري نجد الشاعرة وظفت الأداة "كيف" لغرض التعجب في
بناء حوار بينها وبين وطنها إذ تخاطبه متعجبة وحائرة ماذا فعل لها هذا الوطن
حتى أصبحت تعشقه حد الجنون بل كيف أنها أصبحت شجرة من الشوك لا تعرف غير
وطنها مأواها وملجأها الوحيد، كيف لا وهي تراه كالطفل يلهو ويلعب ويهتف لها
كيف أعشق غيرك سيدتي كيف يجف بحره وهي كل البحر بالنسبة له، وقد تمزج الشاعرة
أحيانا ين العديد من أدوات الاستفهام لتشكل للقارئ نصا شعريا كله حيرة وقلق
تكشف من خلاله عن مشاعرها، وهذا ما لمسناه من خلال قصيدة"يا جبل ما يهزك ريح"
المهداة إلى روح الطفل الفلسطيني الشهيد(محمد الدرة) والتي تقول فيها:
قل للذين
توسدوا الجرح وناموا
على مطر
الرصاص
كيف حال
البحر؟
ما لون
القمر؟
في سماء
غزة الآن وهل
هل كان
جرحك مالحا حيفا؟
ما طعم
الرغيف؟
في بيت
لحم
ما قيمة
الأوجاع حين،
أودعوا
الشمس لشارون؟
وصاح
محمد الدرة على،
جدار
الموت وحده..![67]
نلاحظ هنا كيف مزجت الشاعرة بين هذه الأدوات(كيف، ما وهل) لتنسج لنا نصا كله
أسى وألم تذكرنا من خلاله بم حدث مع الشهيد محمد الدرة، وجاءت هذه الأدوات
هنا بغرض الوصف إذ تصف لنا كيف كانت السماء في ذلك اليوم وما كان لون البحر،
فمقابل هذه الأوجاع التي تعيشها غزة وحيفا من حسرة وحزن على شهيدها، كيف كان
يوم شارون هل أشرقت عليه شمس حين غابت عن غزة؟. وهكذا كان للاستفهام دور بالغ
في إبراز المشاعر والأحاسيس التي تثير إحساس القارئ،فتجعله يتفاعل مع خطاب
الشاعرة فيحزن لحزنها ويقلق لقلقها، وكل ذلك من خلال ما تثيره من تساؤلات
استفهامية تحمل في طياتها أغراضا بلاغية وشعرية، تثير الحيرة والتعجب والقلق
إزاء موضوع معين خاصة ما يتعلق بالوطن والحبيب وهذا الذي لمسناه فيما سبق من
خلال بعض النصوص الشعرية لنادية نواصر.
رابعا/ شعرية أسلوب النفي في خطاب نادية نواصر :
يُعتبر النفي أسلوبا خبريا ننفي به حكما إيجابيا، لأن الأصل في الكلام
العربي أن يكون مثبتا، لكن يجوز أن نجعله منفيا إذا اقتضت الحاجة، والجملة
المنفية قد تكون فعلية أو إسميةتقدمتها أداة نافية لسلب مضمون علاقة الإسناد
بين طرفيها حسب أغراض الكلام، وبالتالي فالجملة المنفية يجب أن تدخل عليها
بعض الأدوات من أجل لفت انتباه المتلقي، وهي متعددة في اللغة العربية نجد
منها (لا، ما، ليس، لم، لن، لما، لات...وغيرها)، ويمكن اعتبار النفي"باب من أبوب المعنى يهدف به المتكلم إلى إخراج الحكم في تركيب لغوي مثبت
إلى ضده، وتحويل معنى دهني فيه الإيجاب والقبول إلى حكم يخالفه، وذلك بصيغة
تحتوي على عنصر يفيد ذلك"[68]، وبالتالي يجب أن تدخل الأدوات السابقة على الكلام أو الجمل المراد نفيها
وهو المقصود بالقول أن تتوفر في ذلك عنصر يفيد ذلك.
وقد يعتمد الشاعر أسلوب النفي بغرض الدفاع عن النفس، وقد ينفي ليعبر عن
التمرد والثورة ضد واقعه خاصة وهنا يستخدم النفي لكشف حالة الاضطراب التي
يعيشها، وهذا ما يبرز تجربته الشعرية وتفاعلها مع الواقع، ذلك أن النفي يحدد
طريقة وأسلوب الشاعر في قول الفكرة التي يريد طرحها داخل النص الشعري،
واستخدام الشاعر لأدوات النفي ينم عن وعيه بدورها البلاغي والجمالي داخل
النص.
وإذا عدنا إلى خطاب نادية نواصر نجد أنها لم تستغن عن أسلوب النفي، بل كان
وجوده بارزا أكثر من بعض الأساليبالإنشائية كالنهي والأمر، فقد وجدت الشاعرة
في هذا الأسلوب سبيلا إلى إثبات وجودها داخل النص الشعري بل قد تنحو به إلى
إثبات أمر إيجابي، خاصة إذا تعلق الأمر بالحب والعشق، وهذا ما لمسناه في
الكثير من المواضع أين كان النفي موضعا لإثبات المنحى الإيجابي من أمر
معين.
من أكثر الدواوين التي كان فيها أسلوب النفي مميزا للنص الشعري
ديوان"حديثزوليخة"، حيث تكرر فيه حوالي خمسون مرة في سبع قصائد ومن أبرز هذه
المواضع قولها في قصيدة"يبغونني أنسى صلاتي":
حبا
تقاتله الرتابة والفتور
لا يعرف
القلق
لا الشمس ولا مطر الفصول
لا يعرف الرقص على تلك المدارات ولا
معنى
المشاعر والشعور[69]
ثم تواصل في القصيدة نفسها:
وعلى
الكراسي تورق بعض الجمل
القلب ليس
مثل قلب
الأخريات
الفكر
ليس
مثل فكر
الأخريات
أنا لا
أعيش يا حبيبي مع الرفاة[70]
الملاحظ من خلال هذه الأسطر الشعرية أن الشاعرة ترفض أن تكون مقيدة كما تريد
لها الأخريات بأن يكون حبها هادئا تقتله الرتابة والفتور، لكن الشاعرة تحاول
أن تثبت وجودها عن طريق هذا الحب وبالتالي فهي ترفض أن يكون بتلك الصورة التي
يفرضها البعض بل تريده حبا كما الإعصار حبا جنونيا لا يعرف الهدوء، فالشاعرة
بدأت بأسلوب النفي لتحاول إثبات العكس، أي أنها استخدمت أسلوب النفي ليس
بمعنى الرفض فقط بل لأنها تريد أن تبرز مدى قوة هذا الحب، وقد كررت أداة
النفي"لا" ثم الأداة"ليس" بغرض التأكيد والإلحاح على قوة هذا الحب وعزيمته
على الاستمرار في الدرب نفسه من دون أي تأثير من الغير، ومن هذا الأسلوب أيضا
قولها:
أنا ما
تركت البلاد
لذاك
العراء البديل
أنا ما
تركتها تموت وحيدة
ولا
قلبها يحتضر
وما رمت
للشعب أن ينكسر
أنا ما
تركت طقوس القصيدة
وما خنت
فتوح اللغة
أنا ما
تركت الأحبة يموتون هدرا وغدرا
لكنني
كنت على ضفة الجرح[71]
استخدمت الشاعرة هنا أداة نفي أخرى وهي "ما" والتي تكررت في القصيدة نفسها
سبع عشرة مرة وكلها دخلتعلى الفعل الماضي وبالتالي فلا عمل لها من الناحية
النحوية
"أما إذا دخلت على جملة فعلية، نحو: ما قام زيد فتبقي الفعل ولا عمل لها،
فإذا كان المنفي فعلا ماضيا ظل على ماضيه فإذا كان الفعل مضارعا حولته إلى
الحال عند أكثر النحاة"[72]، لكن إذا كانت الأداة "ما" من هذه الناحية لا عمل لها، فإنها عملت الكثير
من الناحية الخطابية والشعرية للنص، إذ أضفت عليه صورة جمالية جسدتها الشاعرة
من خلال تكرار هذه الأداة بغرض التأكيد على أمر معين، وهو عدم التخلي عن
بلادها والابتعاد عنها، فالنفي هنا جاء لإثبات العكس أو تأكيد أمر إيجابي،
لأن الشاعرة تحب بلادها فعلا ولم ترغب يوما في أن تتركها وترحل، ولم تسمح
لقلمها يوما أن يتوقف عن كتابة الشعر لتتغنى بجمالها، وهذا ما لمسناه من خلال
قولها في القصيدة نفسها:
أنا ما
تركت البلاد وحيدة
وما رمت
قط لهذي القصائد
أن تموت
شريدة
وما
خدعتني قوافي القصائد[73]
وهكذا تنوعت صياغات الأسلوب عند نادية نواصر، ومهما كان هذا التنوع فإنه
يحمل في طياته لغة شعرية خاصة بالمشاعر والأحاسيس القوية والمفعمة بالسكون
والهدوء تارة والحركة والتوتر تارة أخرى إلا أنها في الأخير تعبر عن مشاعر
صادقة وأحاسيس عاطفية جياشة تنتاب الشاعرة في حياتها الواقعية والخيالية.
للرجوع الى المقال السابق اضغط هنا
[1]- جان كوهن، بنية اللغة الشعرية، ص1178.
[2]- يمنى العيد، في معرفة النص، منشورات دار
الآفاق، بيروت، ط3، 1985، ص127.
[3]- محمد خطابي، لسانيات النص (مدخل إلى انسجام
النص)، المركز الثقافي العربي، بيروت/ لبنان، الدار البيضاء/المغرب، د/ط،
1991، ص05.
[4]- محمد خطابي، لسانيات النص، ص05.
[5]- عبد العزيز عتيق، علم المعاني، دار النهضة
العربية، بيروت، 1985، ص130.
[6]- عبد العزيز عتيق، علم المعاني، ص132.
[7]- نور الدين السد، الأسلوبية وتحليل الخطاب، ج1،
دار هومة للنشر والتوزيع، ط1، الجزائر، 1997، ص172.
[8]- أحمد درويش، دراسة الأسلوب بين المعاصرة
والتراث، دار غريب للنشر والتوزيع، ط1، القاهرة، 1998، ص151.
[9]-أحمد درويش، دراسة الأسلوب بين المعاصرة
والتراث، ص151.
[10]- محمد خطابي، لسانيات النص (مدخل إلى انسجام
الخطاب)، ص21.
[11]- راشد بن حمد الحسيني، البنية التركيبية في
قصيدة (يا عرب) لهلال السيبابي، مجلة جامعة البعث، المجلد38، العدد1،
سلطنة عمان، 2016، ص188.
[12]- نادية نواصر، المشي في محرابك، ص46.
[13]- المصدر نفسه، ص51، 52، 53، 54.
[14]- نادية نواصر، المشي في محرابك، ص24، 25، 26،
27.
[15]- نادية نواصر، المشي في محرابك، ص70، 73،
74.
[16]- نادية نواصر، حديث زوليخة، ص13، 14، 15، 16،
17، 18.
[17]- نادية نواصر، حديث زوليخة، ص41، 42.
[18]- نادية نواصر، أنا اللاجئة إلى أعشاب صدرك،
ص42، 43.
[19]- نادية نواصر، أنا اللاجئة إلى أعشاب صدرك،
ص114، 115.
[20]-نادية نواصر، أنا اللاجئة إلى أعشاب صدرك، ص106.
[21]- المصدر نفسه، ص109.
[22]- محمد مفتاح، تحليل الخطاب الشعري (إستراتيجية
التناص)، المركز الثقافي العربي، ط3، الدار البيضاء، 1992، ص70.
[23]- راشد بن حمد الحسيني، البنية التركيبية
ودلالتها في قصيدة (يا عرب) لهلال السيبابي، ص186.
[24]- المرجع نفسه، ص نفسها.
[25]- محمد مفتاح، تحليل الخطاب الشعري (إستراتيجية
التناص)، ص76
[26]- نادية نواصر، أنا اللاجئة إلى أعشاب صدرك،
ص23.
[27]- نادية نواصر، أنا اللاجئة إلى أعشب صدرك،
ص28.
[28]- المصدر نفسه، ص109.
[29]-المصدر نفسه، ص113.
[30]- المصدر نفسه، ص56.
[31]- أنا اللاجئة إلى أعشاب صدرك، ص37.
[32]- نادية نواصر، لبونة صهد القلب، ص59.
[33]- نادية نواصر، حديث زوليخة، ص18.
[34]- نادية نواصر، المشي في محرابك، ص60، 61.
[35]- نادية نواصر، صدى الموال، ص33، 34.
[36]- المصدر نفسه، ص42.
[37]- نادية نواصر، لبونة صهد القلب، ص16.
[38]- نادية نواصر، لبونة صهد القلب، ص34.
[39]- نادية نواصر، أنا اللاجئة إلى أعشاب صدرك،
ص105.
[40]- نادية نواصر، لبونة صهد القلب، ص33.
[41]-نادية نواصر، لبونة صهد القلب، ص79.
[42]- نادية نواصر، صدى الموال، ص29.
[43]-المصدر نفسه، ص68.
[44]- المصدر نفسه، ص78.
[45]- نادية نواصر، لبونة صهد القلب، ص10.
[46]- المصدر نفسه، ص61.
[47]- نادية نواصر، لبونة صهد القلب، ص45.
[48]- مسلم مالك بعير الأسدي، لغة الشعر عند أحمد
مطر، مذكرة ماجيستر، جامعة بابل/العراق، 2007، ص81.
[49]- عبد العزيز عتيق، علم المعاني والبيان
والبديع، ص111.
[50]- يوسف أبو العدوس، البلاغة والأسلوب، مقدمات
عامة، دار المسيرة، ط1، الأردن، 1999. ص65.
[51]- مسلم مالك بعير الأسدي، لغة الشعر عند أحمد
مطر، ص107.
[52]- أحمد مطلوب، معجم المصطلحات البلاغية، مطبوعات
المجمع العلمي العراقي، الجزء3، بغداد/العراق، 1987، ص327.
[53]- نادية نواصر، المشي في محرابك، ص18، 19.
[54]- نادية نواصر، المشي في محرابك، ص46، 47، 48.
[55]- نادية نواصر، حديث زوليخة، ص36.
[56]- نادية نواصر، أنا اللاجئة إلى أعشاب صدرك،
ص66، 67.
[57]- نادية نواصر، لبونة صهد القلب، ص80.
[58]- نادية نواصر، لبونة صهد القلب، ص82، 83، 84،
85، 86.
[59]- نادية نواصر، صهوات الريح، ص27.
[60]- نادية نواصر، صهوات، ص34، 36.
[61]-أحمد طالب الإبراهيمي، آثار الإمام محمد البشير
الإبراهيمي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1997، ص304.
[62]- نادية نواصر، صهوات الريح، ص83، 84.
[63]- نادية نواصر، صهوات الريح، ص35، 36.
[64]- نادية نواصر، حديث زوليخة، ص10، 11.
[65]- المصدر نفسه، ص25.
[66]- عن بدرية منور العتيبي عن سبويه (الكتاب،
ج4،ص233)، رسالة مكملة لنيل شهادة الماجستير، الأساليب الإنشائية في شعر
لبيد بن ربيعة مواقعها ودلالاتها، جامعة أم القرى، المملكة العربية
السعودية، 1429، 1430، ص133.
[67]- نادية نواصر، المشي في محرابك، ص84، 85،
86.
[68]- جهاد يوسف العرجا، أدوات النفي في شعر أمل
دنقل، مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات، العدد الأول، تشرين
الأول، 2003، ص237.
[69]- نادية نواصر، حديث زوليخة، ص31.
[70]- المصدر نفسه، ص38.
[71]- نادية نواصر، صدى الموال، ص26، 27.
[72]- جهاد يوسف العرجا، أدوات النفي في شعر أمل
دنقل، ص257.
[73]- نادية نواصر، صدى الموال، ص35.
تعليقات
إرسال تعليق