شعرية البنية الموسيقية في خطاب نادية نواصر
تمهيد تنظيري:القصيدة النثرية في الشعر النسوي الجزائري:
إن ما يميز الشعر عن النثر
هو الإيقاع، فهو السمة الفارقةمابين الفن النثري و الفن الشعري:"إن الإيقاع تقدير ما لزمان النقرات، فإن اتفق إن كانت هذه النقرات منظمة
كان الإيقاع لحنيًا، وإذا اتفق وإن كانت هذه النقرات محدثة للحروف وتنتظم
منها الكلام كان الإيقاع شعريا"[1]،فالإيقاع جملة من الأوزان التي تحدث نغمة موسيقية تطرب لها الأسماع وتستكين
لها النفوس، ولاختيار البحور علاقة وطيدة بينها وبين الموضوع المتناول،
فدائما ما يتماشى البحر وتفعيلاته مع الحالة الشعورية للشاعرة، فللحزن بحوره
وللحب بحوره وللفرح بحوره وهكذا، غير أن هناك بحورا تصلح لغرضين متناقضين
وهذا الجمع يحسنه الشاعر المتذوق والشاعر المتمكن وصاحب موهبة، ولطالما ارتبط
الشعر بالموسيقى ارتباطا وثيقا لدرجة أنه أصبح محكوما بمنظومة موسيقية لا
تقبل الخلل والتغيير في زمن ما(الشعر القديم)، لأنه في العصر الحديث حاولت
القصيدة العربية أن تكسر موازين هذه المنظومة، إلا أنها لم تنو قط إنهاء
النقاط التي تصل الشعر بالموسيقى، إذ أنها كانت محاولة"لاستثمار إيقاع الجملة وعلائق الأصوات، والصور وطاقة الكلام الإيحائية
والذيولالتي تجرها الإيحاءات وراءها من الأصداءالمتلونة والمتعددة"[2]، لأن الإيقاع يظل دائما أحد العناصر الأساسية التي تكمل الخطاب الشعري،
الحديث عن موسيقى الشعر يرتبط مباشرة في أذهاننا بالوزن والقافية (الموسيقى
الخارجية)،حيث يعتبران أبرز العناصر التي تمثل الإيقاع، كما أن الموسيقى
الداخلية ليس لها صلة بالوزن والقافية لأنهما يمثلان فقط الوجه الخارجي للنص
الشعري فهو لا يرتكز على عنصر الصوت كما في الموسيقى الداخلية، إلا أنه لا
يهملها عند المداخلة بين بعض المستويات الأخرى التي تكون أكثر اتصالا بعناصر
النص الأخرى كالرمز، الصورة واللغة فالإيقاع بصفة عامة هو بنية واحدة تتسلسل
فيها العلاقات الأساسية التي تكون موسيقى الخطاب الشعري،ويبقى من أصعب
الآليات التي تتحكم في النص الشعري، لأنه يقوم على ركيزة توازن بين المحورين
الصوتي والدلالي فللإيقاع دور تنظيمي داخل النص الشعري، فهو لا يكتفي بإحداث
التناغم الموسيقي فحسب، بل إنه يقوم بالتنسيق بين البنيات الأخرى المكملة
للنص وهذه العلاقات هي التي تعمق قوة النص وتزيد من طاقات الشاعر الإبداعية،
والهدف من دراستنا لهذا الجانب في خطاب نادية نواصر هو الكشف عن أهم السمات
التي تميز الجانب الإيقاعي بأشكاله وعناصره، من خلال دراسة بعض العناصر التي
بدت لنا متداخلة ومنسجمة فيما بينها.
لكن قبل الانطلاق في هذهالدراسة تجدربنا الإشارة إلى أن أغلب قصائد الشاعرة
كانت خالية تماما من الأوزان المكررة كما خلت من البحور الخليلية ما عدا ديوانها(لهالة
يغني الصباح)، الذي كانت كل قصائده من الشعر العمودي لأنه ببساطة كانت
أشعارها فيه موجهة للأطفال، من خلال تقديم مجموعة من النصائح والإرشادات التي
يجب على الأطفال تعلمها، وقد جعلت من سلوكيات حفيدتها "هالة" سبيلا للوصول
إلى قلب كل طفل، ولهذا تجنبت شعر التفعيلة والشعر النثري لأنه صعب على هذه
الفئة، أما بقية الدواوين فأغلب
إن لم نقل كل قصائدها من الشعر المنثور ما عدا البعض
منها،والتي اعتمدت فيها البحور الصافية الغارقة في الزحافات والعلل وهو ما سنراه من خلال تحليلنا لبعض القصائد،
والحديث عن حداثة القصيدة النسوية الجزائرية يظهر بشكل أقوى عند الشاعرات
اللواتي سلكن سبيل القصيدة النثرية، فتجاوزن الضوابط الإيقاعية ليجعلن من
أشعارهن فنا نثريا بسيطا
لدرجة أن "تتحول لديهن القصيدة النثرية إلى استرسال نثري وثرثرة كلامية عادية وجمل
موقعة توقيعا صارخا مستمدا من تلك القوافي المتهاطلة على نهايات
السطور
الشعرية بما يتعارض وفلسفة القصيدة النثرية"[3].
لكن هذا الكلام العادي من جهته الإيجابية قد حرر المرأة من كل القيود
الشعرية، التي فتحت أمامها كل الأبواب لتغزو الساحة الأدبية بأجناسها
المختلفة، لأن القصيدة النثرية النسوية في الجزائر أصبحت اليوم تمثل أعلى
نسبة في الكتابات الشعرية، حيث تحررت فيها المرأة من قيود الإيقاع"إن الشواعرالجزائريات قد كتبن ضمن الأشكال الثلاثة المعروفة مع ملاحظة أن
الشكل العمودي هو أقل الأشكال استحواذا على اهتمامهن الشعري يليه الشكل
الحر، بينما يستبد الشكل النثري بالنسبة الساحقة من العطاء الشعري
النسوي"[4]، فهل رأت المرأة الجزائرية أن القصيدة النثرية هي سبيلها الصحيح الذي
يشعرها بالتفوق في الكتابة في مختلف الأجناس الشعرية مثلها مثل الرجل، أو حتى
الريادة في البعض منها مثل ما رأينا عند ظهور القصيدة الحرة وبالضبط مع
الشاعرة نازك الملائكة حين ادعت الريادة لنفسها في ظهور هذا الجنس للساحة
الأدبية، وقد تكون هذه الوجهة النسوية للشعر المنثور كما يرى يوسف وغليسي"محاولة نسوية لا واعية لنسيان الفوارق النوعية بين الجنسين أو تذويبها
ومحوها حتى تتلاشى الخصائص الجنسية المميزةالتي جعلت من المرأة (رجلا
ناقصا) في اللاشعور الجمعي للمرأة زمنا طويلا..."[5]،أي أنها فن التمرد على الأشكال الأخرى والتقاليد العروضية، كما ترى سوزان
برنار حيث تقول في قصيدة النثر
"مما لا شك فيه أنه يوجد في قصيدة النثر في آن واحد قوة فوضوية مدمرة تميل
إلى رفض الأشكال الموجودة وقوة منظمة تميل إلى وحدة شاعرية"[6]، فقصيدة النثر تملك إيقاعها الخاص وموسيقاها الداخلية التي تعتمد على
الألفاظ وتتابعها، والصور وتكاملها والحالة العامة للقصيدة.
أي أن قصيدة النثر تنفي الأشكال السائدة من جهة، وتحاول أن تجعل من النص
الشعري الجديد بناء فنيا متكاملا من جهة أخرى، فحاول من خلالها الشعراء السير
في رحلة إبداع جديد، يجمع العمل السردي بمقومات الشعر ليخلق ويكوّن جنسا
مغايرا سمي بالشعر المنثور"ولا شك أن حركية النشأة تعكس قبل أي شيء آخر رغبة الشاعر –الشاعر
الحداثي- إلى تجاوز جمالية الألوان الشعرية، والتمرد على نظام القصيدة
العربية المألوفة وكسر لأبجدياتها المعروفة التي تحمل في طياتها أسس صناعة
الشعر وفق نظرية العمود التي تتنكر لكل توليد أو ابتكار"[7]،وهكذا جعلت القصيدة النثرية لنفسها اتجاها خاصا نحو التجديد الفني لصناعة
الشعر.
وهنا يمكن القول: إن التجربة الشعرية النسائية العربية بصفة عامة أو
الجزائرية بصفة خاصة لم تنحن عن التحولات التي سارت عليها القصيدة العربية من
حيث المضامين الشكلية والفنية، ولما كانت قصيدة النثر تحاول أن تشكل سلطتها
الثقافية، فإن ارتباط التجربة النسوية بها جاء من خلال علاقة التناقص الجنسي
بين المرأة والرجل، حيث أن القصيدة النثرية مهما بلغت ميزاتها الفنية إلا
أنها تبقى شكلا ناقصا بالنسبة للقصيدة القديمة، وهكذا كانت المحاولة النسوية
لانتهاج هذا النوع من الكتابات الشعرية هو محاولة لا واعية في الوقت نفسه لتجاهل ونسيان الفوارق النوعية، التي ميزت الرجل عن المرأة وجعلتها تقبع على المحيط الهامشي لزمن ليس بالقصير، ومن هنا
جاء ارتباطها الوثيق بالقصيدة النثرية في محاولة منها لتجاوز السلطة الذكورية
فراحت تبحث عن شكل جديد يسمح لها بالتوسع في البنية اللغوية والدلالية والانفتاح على العديد من الأجناس الأدبية الأخرى، وعلى إثر ذلك جمعت المرأة
بين الدرامي والغنائي بين القصيدة الطويلة والقصيرة، وهذه التي نلتمسها عند
الشاعرة الجزائرية، من خلال التنوع في الأشكال والمضامين الشعرية
عند الشاعرة نفسها.
كيف لا وهي المرأةالتي عانت من القهر والظلم والتهميش لزمن طويل، كيف لا وقد
طغت عليها الظروف الاستعمارية من جهة، والعادات والتقاليد من جهة أخرى، لكن
جاء الوقت الذيتحررت فيه من هذه القيود وراحت تبحث بأعلى درجات الوعي الثقافي
عن طرق وسبل هذا التحرر في مختلف الميادين، ومنها الميدان الأدبي بجنسيه
النثري والشعري إلى درجة الجمع بينهما فيما سمي بالشعر النثري، ويكفينا أن
ننظر إلى الدواوين الشعرية للمرأة الجزائرية، حيث نتلمس ذلك الاختلاف والتنوع
في الأشكال والمضامين، على الرغم من اختلاف المستويات الفنية داخل التجربة
الشعرية نفسها.
إن تفكير المرأة في هذا التغيير كان دائما رغبة منها في امتلاك صوت أنثوي
حساس، تدافع به عن كينونتها الاجتماعية والثقافية، لأنها رأت في القصيدة
النثرية كشكل جديد تجسيدا لمكبوتاتها التي تختلج صدرها، لتتدفق من خلال هذا
الشكل الشعري عبر ألفاظ ودلالات مشعة، تحمل في أعماقها مدى إلحاح المرأة على
التحرر والوعي الثقافي، فتنسج نصا شعريا مفعما بلغة التحدي والإصرار وتجسد من
خلاله رؤاها وأحلامها، معاناتها وأحاسيسها المختلفة لأنها ترى في نفسها تلك
الطاقة المتحركة النابضة بالخيال والقوة والحياة، وهذا ما يحاول الباحث دائما
الكشف عنه من خلال قراءاته الواعية ومقارباته النقدية، لأن الأنوثة في النص
الشعري شيء مختلف،فهي تكشف دائما على قوة المرأة الإبداعية إذ أن
"ارتباط نص المرأة في شكلخطاب شعري أنثوي هو الذي يضفي نكهة ثقافية معينة
على ذلك الخطاب، نكهة في مقدورهاتأمين قراءة الذات الشاعرة المؤنثة والقبض
على الخصوصية الجمالية الدلالية لشعر الأنوثة"[8]،وما يثبت هذه القوة الأنثوية هو ظهور أصوات أنثوية مبكرة ولجت الساحة
الشعرية بهذا النمط الشعري الجديد، لتبرز وجودها دائما في ساحة طالما حُرمت
فيها من هذا الحق.
فعلى الرغم من أن التاريخ
الجزائري يقر بأن البداية الفعلية لهذا النوع من الشعر كانت مع عبد الحميد بن
هدوقة من خلال ديوانه"الأرواح الشاغرة" الذي صدر سنة 1967، لتقتحم بعدها بعض
الأقلام المؤنثة هذا الباب على غرار الشاعرات زينب الأعوج، ربيعة جلطي وأحلام
مستغانمي، اللواتي كسرن نظام التفعيلة وحاولن تجاوز السيطرة الأيديولوجية
والسلطة الذكورية، وذلك كان من خلال تقديمهن لنصوص شعرية جديدة اُعتُبرت من
فواتح قصيدة النثر في الجزائر، ومن أبرز السمات في تلك النصوص أنها خالية من
ثبات التفعيلة والاعتماد على إيقاع مختلف، يعتمد على التكرار وقد يكون إيقاعا
معنويا دلاليا كتوظيف التضاد والمقابلة..
إن المتتبع لتطور القصيدة النثرية في الجزائر يتلمس أن مرحلة الثمانينيات هي
بجد الفترة التأسيسية الفعلية لقصيدة النثر، أين أضحت سبيلا لكل شاعر أو
شاعرة تريد تخطي النص الشعري القديم، ليس نكرانا لفنيته وإنما ابتغاء التجديد
على مستوى النص الشعري من حيث البناء والموضوع، وهنا يكمن التحول الجذري على
مستوى البناء واللغة، هذا التحول في النص الجديد"يلتهم القديم ويتحول به إلى مكان لغوي آخر، ينذر بقراءة تلتهم هي الأخرى
جديد النص المتحول لتتحول به بدورها وهكذا دواليك"[9]
ومن هنا يمكن القول:إن قصيدة النثر قد جاءت أصلا لكسر تلك النظم التي اعتاد
عليها الشعراء، لأنها منحت لهم الحرية المطلقة في انتقاء الكلمات أو العبارات
على عكس حالة الانتظام التي كان الشاعر مقيدا بها خاصة في الشعر العمودي، لأن
الإيقاع الخارجي في القصيدة النثرية يمكن اعتباره منعدما لأنها قد حطمت كل
قوانين الشعر من وزن وقافية وبحر.
أولا/ بنية الموسيقى الخارجية في شعر نادية نواصر:
وهو الإيقاع الناجم عن الأوزان ببحورها وقوافيها وتفعيلاتها، وهذا مالا
يتوفر للنثر، ويتوفر في الشعر فقط، والموسيقى الخارجية
"تعالج تآلف الألفاظ في فقرة فنية أو بيت شعري من حيث الوزن ببحوره
وقوافيه، كما له تأثير من إثارة في الانفعال"[10]
1/البحر:
هو جملة التفعيلات التي ينظم عليها الشاعر كلماته، فكأن البحر هو الجسر الذي
يسلكه الشاعر حتى يميز بين ما ينظم وبين ما هو منثور، فالبحر هو
"هو الوزن الخاص الذي تسير عليه القصيدة من أولها إلىآخرها"[11]، غير أن هذا المفهوم لم يحظ بالقبول، فراح الشاعر يعدد البحور وينوع فيها
في كل قصيدة، خاصة فيما يتعلق بالشعر الحر، أين يجد القارئ جملة من البحور في
قصيدة واحدة، ويوحي هذا التعدد بالتفكك والاضطراب والقلق والتشظي الذي يعيشه الإنسان المعاصر، فلم يعد البحر الواحد
قادرا على استيعاب تجربته، بل حالته الشعورية التي تختلجها كتلة من
الانفعالات التي تحتاج كسر النمط السائد وبتر المتعارف عليه، وهذا قد ينعكس
بالإيجاب وقد ينعكس بالسلب على النص والقارئ:
إيجابا: في تنوع البحور في القصيدة الواحدة يشعر الناظم والقارئ بحرية، كأن
في فعل الكسر تنفيس لما يعيشه من قلق وخوف، هذا ما جعله يبحث عن التنفيس
والحرية..
سلبا: لأنّه يفقد الشعر إيقاعه بنسبة معينة، فكثرة البحور تؤدي إلى ارتباك
النص وتنافر ألفاظه، وهذا ينعكس على القارئ أيضا، فيصير هو الآخر تائها ويصعب
عليه إيجاد البحور المعتمدة.
إنّ الملاحظ لقصائد نادية نواصر يكتشف أنّها لا تنظم وفق شعر التفعيلة ولا
الشعر العمودي، وإنما هي تغرف وتصب في قصيدة النثر التي لا تفعيلات لها، إلا
بعض القصائد النادرة التي اعتمدت فيها على بحور صافية مملوءة بالزحافات
والعلل:
لك النبضة الشاردة
لك ننبضةششارده
//0/0//0/0//0
فعولن فعولنفعو
لك اللغة الواردة
لك للغة لواردة
//0///0/0//0
فعول فعولن فعو
مفتاحه:
عن المتقارب قال الخليل ** فعولن فعولن فعولن فعولن.
التغييرات : نلاحظ أن الشاعرة اعتمدت على البحر المتقارب، لتقارب أوتاده من أسبابه، غير أنها لم تلتزم
بتفعيلاته الصحيحة، وإنما ألحقتها بعض التغييرات منها مايلي:
أ ـ الزحافات:
فعولن ........... فعول... حذف ساكن السبب الخفيف، هو زحاف القبض
ب ـ العلل:
فعولن.............فعو ( فعل) حذف السبب الخفيف بأكمله، وهي علة الحذف.
ممزوجا بالحنطة
ممزوجنبلحنطتي
/0/0/0/0/0//0
فاعل فاعل فاعلن
والزعتر والصندل
وززعتروصصندلي
/0/0/0/0/0//0
فاعل فاعل فاعلن
الأبيات من بحر المتدارك وهو بحر أحادي التفعيلة، اعتمدت الشاعرة على
المتدارك المجزوء أو المقطوع وهذا تماشيا وخدمة لحالتها النفسية.
مفتاحه:
حَرَكَاتُ الْمُحْدَثِ تَنْتَقِلُ ** فَعِلُنْ فَعِلُنْفَعِلُنْ
فَعِلُ
التغيرات: فاعلن....فاعل ( علة القطع) حذف ساكن الوتد المجموع آخر التفعيلة
وتسكين ما قبله.
كما أشرنا سابقا فإن أغلب قصائد نادية نواصر كانت تدور في حلقة الشعر
المنثور، وبالتالي فإن قصيدة النثر قد رفضت تماما القوانين العروضية
والوزنية، أي أنها رفضت كل قانون يحاول تقييدها وإنما صنعت لنفسها إرادة
فوضوية تجعل الشاعرة تتقمصها دونما خوف من الوقوع في ضيق شعري تفرضه قوانين
الوزن والإيقاع، لكن الوزن ليس العنصر الوحيد الذي يصنع درجات الشاعرية لأن
هناك إيقاعا داخليا يلمسه القارئ بمجرد قراءته للنص الشعري، وعموما يمكن
القول بأن الإيقاع بنوعيه خارجي وداخلي هو أحد العناصر الضرورية لصناعة شعرية
النص،ويذهب البعض إلى أن"الفاعلية الشعرية المعاصرة وجدت نفسها في حاجة ماسة إلى تجاوز الحدود
الصارمة لتفجير قدراتها الحبيسة، إذ لم يكن لهذه الفاعلية أن تنمو داخل
مجالات محكومة بتلك القوانين الصارمة التي تتجلى بوضوح في مجال البنية
الإيقاعية المحكومة بوقفة ثلاثية تركيبية وعروضية ودلالية"[12]، وغياب الوزن في قصيدة النثر لا ينفي شعريتها مادام هناك إيقاع آخر يصنع
هذه الشعرية، فالتكرار مثلا من أهم السمات التي تسهم في إمدادا القصيدة
النثرية بالشعرية المفعمة بالمشاعر والأحاسيس التي تختلج الشاعر من داخله، أي
أن الوزن وحده لا يمد القصيدة النثرية بتلك الشاعرية التي يبحث عنها القارئ
في النص الشعري حتى يمكنه الحكم عن مدى شاعرية ذلك النص، وهنا يمكن لأي باحث
أن يتساءل"كيف ينقل الوزن هذه الصلة الداخلية الحميمية بين اللغة وحركة النفس
الداخلية؟ أي كيف يتجسد ذلك على مستوى الإيقاع الشعري؟"[13]، وهذا التساؤل يطرحه الباحث على إثر تلك اللغة المجازية التي تكلم بها
أصحاب قصيدة النثر في حديثهم عن الإيقاع الداخلي.
وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن القصيدة النثرية قد انطلقت من مرجعية مفادها
الانقطاع عن الوزن، لتضع لنفسها إيقاعات خاصة بها معتمدة في تأصيل ذلك على
قواعد النبر العربي التي تنطبق على النثر -كما يرى في ذلك عز الدين المناصرة-
لذا كان إيقاع قصيدة النثر إيقاعا نثريا، على خلاف الصورة الشعرية التي
نلمسها في مختلف الأجناس الأدبية...وكما ذكرنا سالفا فإن الشاعرة نادية نواصر
قد تخلت عن البحور الخليلية، إلا في بعض القصائد التي قد تبدأ بتفعيلة بحر
لكن سرعان ما يحدث خلل على مستوى ذلك الوزن، لذلك فقد اعتمدت على نوع من
الإيقاع التناغمي الداخلي، والتنويع في الإيقاع على حسب الجملة الشعرية،
ولهذا لم نركز في دراستنا هته على الوزن باعتباره أحد عناصر الإيقاع الخارجي،
إلا أن القافية لاحظنا أنها كانت متنوعة وقد شكلت عمقا شعريا في النص وامتلكت
وظيفة دلالية،حملت في طياتها الكثير من الدلالات الموحية بإحساس الشاعرة من
جهة، ثم الرؤية التي يبديها النص من جهة أخرى.
2/القافية وأنماطها في خطاب نادية نواصر :
منالمتعارف عليه أن القافية هي ميزة يتميز بها الشعر، والقافية مصطلح شائك
اختلف فيه الباحثون، فبعضهم يرى أنها الكلمة الأخيرة ، والبعض يرى أنها
المقطع الصوتي الأخير في حين البعض ضبط لها مفهوما بقولهم:"هي آخر حرف في البيت إلى أول ساكن يليه من قبله مع حركة الحرف الذي قبل
الساكن"[14]، هذا بالنسبة للشعر العمودي والشعر الحر، أما
القصيدة النثرية فقد أعلنت
رفضها للوزن والقافية بهدف التحرر من القيود، إلا أن الشاعر المعاصر لم يستطع
التخلي عنها نهائيا لأن
"الشعر الحديث لم يهمل القافية والدور الفني الذي تلعبه في موسيقى القصيدة
فهي قائمة في الشعر المعاصر الجديد وإن أخذت شكلا آخر هو في الحقيقة أصعب مراسا من القافية القديمة"[15]، فالقافية نعتبر دائما مظهرا من مظاهر البناء الإيقاعي في الشعر،فهي تحمل دلالات ترتبط باللغة الشعرية للنص.
وانطلاقا مم سبق فقد يمكننا نتتبع بعض أنواع القافية التي اعتمدتها الشاعرة
نادية نواصر ضمن نصوصها الشعرية، فقد كانت قافية متنوعة ارتبطت دائما
بأحاسيسها واستطاعت من خلالها أن تبوح للقارئ بمشاعرها الجياشة، والقافية قد
تكون مطلقة أو مقيدة بحسب حرف الروي كما رأينا سابقا، وقد تتخذ أشكالا أخرى
مثلما جاءت عند الشاعرة نواصر "إذ لعبت دورا كبيرا في توليد الإيقاع في النص
هذا علاوة على وظيفتها في ربط أجزاء النص بعضها ببعض"[16]، إذ كلما تنوعت القافية منحت الشاعرة قوة الإبداع ليمنح النص شعرية ودلالة
أقوى.
1/ القافية المتقاطعة في خطاب نادية نواصر :
وهي نظام جديد عرفه الشاعر المعاصر ويعتمد على التوزيع الهندسي للقصائد"غير أن كل نظام ينتمي فقط لقصيدته ولا يفرض قوانين على قصيدة أخرى ولا تتوزع القوافي
داخل القصيدة توزيعا عفويا غالبا إنما يتحكم بها نظام خاص تتقاطع فيه القوافي
تقاطعا هندسيامنتظما"[17]، ويُرمز لهذا النوع من تنظيم القافية (أب،أب) ويتجلى هذا النوع من التوظيف
في قصائد كثيرة من دواوين شعر نادية نواصر ومثال ذلك قولها:
عام سعيد
يا أكبر
الورطات
في النبض
العنيد
يا أجمل
الورطات
في شكل
القصيد
يا أنبل
الدفقات
في هذا
الوريد
عام سعيد[18]
يتكون هذا المقطع من نظام تقفوي يتحرك على أساس أب،أب، أي أن المقطع يحوي
قافيتين الأولى(أ) وتتمثل في(سعيد، العنيد، القصيد، الوريد، سعيد)،
والثانية(ب) وتتمثل في (الورطات، الورطات، الدفقات)، إن هذا التنظيم في
القوافي لا يمكن أن يكون قد أتى عشوائيا بل جاء عن وعي من الشاعرة وتخطيطها،
لكن اهتمامها بهذا التنظيم والهندسة على مستوى القوافي قد أحدث خللا بين
البنية الدلالية والإيقاعية، مما يسيء إلى شعرية القصيدة -باعتبارها قصيدة
نثرية- ومن جهة أخرى قد نجد هذا النوع من التنظيم الهندسي للقافيةقد يأتي
بشكل متداخل كما جاء في قول الشاعرة:
يسدل
الستار على أعراس العمر
يغلق
حراس الزمن حولي
كل
مدارات الرعب بإحكام
يعانق
سكوني سكونا آخر
ويجس
الصمت نبض المنفى للمنفى
يصبح
منفاي صمتي
يصبح
منفاي بعدي
تدخل
اللحظات في التكتم
تتوغل في
التعقيم
يحفر
الغياب على جسدي غيابا آخر[19]
جاءت القافية هنا منظمة على شكل (أ ب ج)، حيت تألفت من ثلاثة أصوات متتالية
وهي(الراء، الياء، الميم)، حيث ضمت المجموعة الأولى (أ) الكلمات( العمر، آخر،
آخر)، وضمت المجموعة الثانية(ب) الكلمات(حولي، صمتي، وعدي) أما المجموعة
الثالثة(ج) الكلمات التالية(بإحكام، التكتم، التعتيم).
نلاحظ في هذا المقطع أن الشاعرة قد عمدت إلى تداخل القوافي وتكثيفها،وهذا ما
ينعكس بالسلب على البنية الدلالية للنص الشعري، كما أن هذا التنظيم الهندسي
للقافية قد يحدث جوا من الرتابة والملل عند القارئ، وبالتالي يمكن القول بأن
الشاعرة قد كان ميلها واضحا للاهتمام بالجانب الإيقاعي على حساب الجانب
الدلالي"فالاهتمام الكبير في تحقيق نظام خاص لقوافي القصيدة يؤدي إلى افتعال بعض
القوافي حيث ينعكس انعكاسا سلبيا على البنية الدلالية فيها"[20]، فهذا النمط يمكن القول عنه أنه لا يستطيع أن يقدم وظيفة دلالية للقافية،
وهو الأمر الذي يرى فيه الكثيرون أنه يؤدي إلى تقليل فرص نجاح القصيدة
وقوافيها.
2/ القافية المتواطئة في خطاب نادية نواصر :
ويعتمد تنظيم القافية هنا على تكرار الكلمة نفسها،بحيث تأخذ موقعا في نهاية
السطر وقد تكون متتابعة أو متباعدة ومثال القافية المتواطئة المتتابعة قول
الشاعرة:
وحدي
أدور
في
متاهاتي أدور
حول انهزامي أدور
وانتصاراتي أدور[21]
وتقول في ديوان آخر:
لمن لهفة
الصبح يا سيدي؟
لمن شهقة
الصدر يا سيدي؟
لمن لعنة
العشق يا سيدي؟[22]
وتقول أيضا:
حدثت الكارثة وأحببتك
حدثت رجة في القلب وأحببتك[23]
والأمر نفسه في هذا النوع من تنظيم القوافي، حيث تجعل الشاعرة القافية نفسها
ممتدة عبر عدة أسطر متوالية، وقد تمتد في الكلمة نفسها الأمر الذي يجعل
الجانب الإيقاعي طاغيا مقارنة بالجانب الدلالي، وهو ما قد يجعل القارئ يمل من
متابعة قراءة النص خوفا من الوقوع في نفس الرتابة والملل من تكرار بعض
الكلمات التي قد تجعل القصيدة تخلو من الجانب الدلالي.
3/القافية المرسلة(المتراسلة) في خطاب نادية نواصر :
وهي نوع من القوافي يتجسد وفق النظام(أ أأ أ....)، حيث تتماثل القوافي على
مستويي الصوت والصيغة وفي أغلب الأحيان تكون في نفس المقطع.
تقول الشاعرة:
قل بأني
المالكة
قل بأني
الهالكة
قل بأني
عامرية
بربرية
إغريقية
فرعونية
غجرية[24]
وتقول في قصيدة أخرى:
يا دهشتي
المشتهاة
ويا ورطتي المرتجاة
ويا نبضتي المنتقاة
يا رقعتي المصطفاة[25]
فالقافية هنا جاءت متتابعة مع الحفاظ على نفس الروي(التاء)، وهذا التماثل في
القافية دليل على أن الشاعرة تعيش في حيرة أمام حبها وكأنها تتوزع هي الأخرى،
إذ تجدها في كل نساء الأرض، فالشاعرة جعلت من قافيتها سبيلا لإبراز حبها
ومشاعرها، وكأن بهذه القافية قد تدفع الرتابة والملل من جهة وتخدم الدلالة من
خلال البنية الصوتية الإيقاعية من جهة أخرى، كما أن القوافي المتتالية تجسدت
من خلالها الحالة النفسية للشاعرة التي تعيشها، وتحاول أن ترسلها عبر تلك
اللغة إلى القارئ/المتلقي، لأن القافية هنا تميزت بالحفاظ على نفس الروي،
والأمر نفسه بالنسبة للمقطع الثاني حيث تواتر صوت (التاء) الذي أضفى نوعا من
الموسيقى والغنائية، إنها موسيقى هادئة ممزوجة بالحرية لكنها مفعمة بالمعاني
الشعرية الدلالية، وفي بعض الأحيان قد يكون الاسترسال في القوافي متضمنا
بإشباع، تهدف الشاعرة من ورائه كسر عامل التكرار، وبالتالي الابتعاد بالقارئ
عن الملل ولو لهنيهة ومثال ذلك قول الشاعرة:
يعيدون
خيط العبور إليك
ولا
النجم يزهر في شفتيك
يمدون برزخ غربتك
ويعيدون
لون الضباب إلى مقلتيك
فلا
الأصدقاء [ب]
يعيدون
لون المساء إليك
ونبض
المساء إليك
أغرق في
ملكوت الغربة وحدك[26]
لقد عمل هذا التضمين (ب) على كسر عامل التكرار من خلال الإشباع الصوتي، كما أن هذا التراسل في القافية قد جسد مشاعر وأحاسيس الشاعرة، من خلال الأثر
النفسي الذي وحد التجربة الشعرية وجعلها أكثر انسجاما، ليأتي بعده الإشباع
ويعمل على تصعيدها، فالشاعرة هنا قد جعلت من حرف (الكاف) رويا تكرر في نهاية
الأسطر الشعرية وأدى وظيفة صوتية إيقاعيةإضافة إلى المعنى، وهذا ما يبرز لنا
قدرة الشاعرة على توظيف هذا الحرف لخدمة حالتها النفسية التي تتحسر من خلالها
على هذا المغترب الذي وشح الضباب مقلتيه، فهو تائه في غربة المكان الذي هو
فيه على الرغم من وجود الأصدقاء حوله، إلا أنه ظل غارقا في غياهب الغربة
بعيدا عن وطنه.
4/ القافية المتغيرة في خطاب نادية نواصر :
وهذا النوع من القافية هو الذي يميز القصيدة الحديثة، حيث يتمكن القارئ من
خلال هذا النوع من التقفية أن يستخدم العديد من القوافي في القصيدة الواحدة
دون نظام محدد في استخدامها، فقد يستخدم الشاعر قافية معينة ثم يتركها ليوظف
بعدها قافية أخرى وقد يعود
بعدها إلى القافية الأولى "وهذا التوزيع العفوي للقوافي يضفي على
القصيدة جوا موسيقيا داخليا وهذا الجو غالبا ما يكون خافتا هادئا أي ليس
مجهورا وواضحا كما يحدث في ورودالقوافي بالطريقة التقليدية"[27]، وقد يلجأ الشاعر المعاصر كثيرا إلى هذا النوع من التقفية مقارنة بالأنماط
الأخرى لها، لأنها تكسبه القدرة على الاشتغال على الوظيفة الدلالية لها، من
خلال ما تحققه من تناسق وانسجام موسيقي داخل النص الشعري، ومن تلك النماذج
قوله الشاعرة في قصيدة"اعتقال"
كل نبضة من نبضات القلب
هي وليدة
اعتقالك
وكل
هتافات شوقي إليك
تندد أنت
عاشقة اعتقال
ويسكنني
خوف رهيب
من تمردك
على كوكبي
ومجراتي ذات يوم[28]
تحاول الشاعرة من خلال هذا التغيير في القافية أنتفرض حريتها في تشكيل نصها
الشعري الذي تشكل من ثلاث قوافي نرمز لها (أ ب ج)، حيث تشكلت القافية (أ) من
الكلمات(أقول، اعتقال)، أما القافية الثانية(ب) فتشكلت من الكلمات (القلب،
رهيب، كوكبي) أما القافية(ج) فكانت كلماتها(اعتقالك، إليك، اعتقلك) فالقافية
الأولى لم تتكرر حتى نهاية القصيدة في حين استقلا السطران السادس والعاشر
بقافيتين مختلفتين وهما(أكثر ، يوم) على التوالي، لكن رغم أن تكرار القوافي
وتغيرها قد جسد إيقاعا موسيقيا خارجيا إلا أن البعض يرى فيها ابتعادا عن
تحقيق بعض النتائج الأخرى التي قد تمنح القصيدة شعرية وجمالية أكثر من ذلك،
على الرغم من ذلك يمكن القول: إن تكثيف القوافي يجعل منها بنية أساسية تتلاءم
مع مضمون القصيدة،لأننا رأينا فيها أنها أدت دورا دلاليا وبلاغيا وتركيبيا
مهما في القصيدة.
من خلال ما سبق نتلمس أن القافية في شعر نادية نواصر قد شكلت جانبا من جوانب
الإيقاع بدلالاتها الموحية، والتي تعكس من ناحية أخرى ذاتية الشاعرة وتجربتها
ومشاعرها، وذلك بحضورها القوي الذي حقق انسجاما وترابطا بين بنيات النص، سواء
من ناحية الصوت أو الدلالة، أما من الناحية الجمالية فقد حققت هندسة شكلية
ميزت القصائد.
ثانيا/ بنية الموسيقى الداخلية في شعر نادية نواصر:
تعدّ الموسيقى الداخلية من أهم المنبهات المثيرة للانفعالات، إذ هناك علاقة
وطيدة بين الألفاظ في خلقها للجو الموسيقي الداخلي وبين الإيقاع العام
للقصيدة "فقد ربط النقاد بين الجو الموسيقي الداخلي الذي يشيعه جرس اللفظة وإيقاعها، وبين
حسن اللفظة المفردة وقبحها، فوصفوا اللفظة ذات الجرس المحبب على السمع بالسلاسة والعذوبة
والرونق"[29]، والموسيقى الداخلية إذن هي كل ما يحدث جرسا قويا، ونغما مؤثرا في ثنايا
القصيدة، سواء كان صوتا أو كلمة أو عبارة، ومن هنا فإننا سنبحث من خلال خطاب
نادية نواصر في أهم العناصر التي كان لها دور بارز في تشكيل الإيقاع الداخلي
للنصوص الشعرية، وكانت كالتالي:
1/الأصوات ودلالاتها في خطاب نادية نواصر :
تعتبر دراسة الأصوات اللغوية من أكثر الدراسات اهتماما عند العرب القدماء،
وإذا كان القرآن الكريم هو الدافع الأساسي لدراسة الأصوات العربية عند العرب
خاصة القدماء منهم، فإنهم اليوم ليسوا بمعزل عن النظر إلى تلك الأصوات من حيث
استحسانهم للشعر واستهجانهم إياه، فالحرف يعتبر أساس كل نسيج لغوي فمنه تصاغ
الكلمة ثم الجمل فالسطر الشعري وصولا إلى تجسيد قصيدة شعرية كاملة، حيث تكون
الكلمات مختارة بعناية الشاعر وفطنته، والحروف تكون متناغمة ومتناسقة لتخلق
في الأخير جوا من التواصل بين الشاعر والمتلقي.
ويمكن اعتبار الجاحظ من أوائل المهتمين بهذا الجانب، حيث يرى أن محاولة
إيصال المعنى للمتلقي تتخذ شكلين أساسين
"فإما يعتمد على أعراف تشكيل الكلام المألوفة، بحيث ينصب اهتمام الباحث
على إبلاغ حاجته إلى المتلقي، أو أن يلجأ إلى أسلوب فني في كلامه"[30]، والمقصود أن الشكل الأول يكون فيه الكلام عاديا بينما يحتاج الشكل الثاني
إلى الإبداع الفني البعيد عن الصنعة والتعقيد كاختيار الألفاظ الجيدة.
وللدراسة الصوتية دور هام في إبراز الوظيفة الصوتية المتمثلة في التمييز بين
الوحدات الصوتية، والتي يترتب عن تغييرها في النظام تغيير في الدلالة، كما
تهتم هذه الدراسة بتحليل الملامح الصوتية، كتكرار صوت بعينه ودلالته داخل
النص الشعري، ثم النظر إليه من حيث كونه ساكنا أو متحركا، والنظر إلى صفاته
من حيث الجهر والهمس وغيرها من الصفات. ولهذا تعتبر الأصوات من أبرز العوامل
التي تبين لنا مدى قدرة الشاعر في
التعبير عن مشاعره وتجربته،
لأن الأصوات تملك وظائف دلالية داخل النص الشعري، فمثلا تكرار بعض الحروف أو
الكلمات في مثن السطر الشعري يكسبه نوعا من الموسيقى تطرب لها الأذن، ويتم
تحديد العلاقة بين اللفظ والمعنى من خلال النظرة السطحية التي تتم وفق عملية
يتم فيها إحصاء الأصوات داخل النص الشعري، لكن كباحثين يجب أن نتجاوز هذا
لنحاول أن نتلمس معانيها وإيحاءاتها داخل ذلك النص، وهذا هو التوجه الصحيح
للدراسة الجادة للأصوات كعنصر أساسي في بناء النص الشعري، لأن الصوت لا يحمل
دلالة ذاتية كامنة فيه، لأنه يحتاج إلى سياق معين يشحنه ببعد دلالي من خلال
موقعه في السياق، وبذلك قد اختلفت المناهج التي تناولت الصوت، إلا أنها اتفقت
في السعي عن تلك العلاقة الوثيقة التي تربط الأصوات بمعانيها من خلال قدرتها
على تكثيف اللغة وإثرائها داخل النص الشعري.
فللأصوات إذن وظائف دلالية تبرز قدرة الشاعر على التعبير عن تجربته، وذلك أن
اختلاف التجارب يبعث على اختلاف الأصوات الدالة عليها عند الشاعر الواحد،
فهناك أصوات تنسجم مع معاني العنف وأخرى تنسجم مع معاني الرقة والهدوء، ومرجع
هذا التقسيم هو الصفات التي تتميز بها الحروف عن بعضها ووقعها في الأذن،
فحروف المد واللين مثلا قد أولاها الباحثون والدارسون للإيقاع الصوتي اهتماما
كبيرا، لتأثيرها الكبير في الحركة الإيقاعية للنص الشعري، فهي تكتسب سمات
موسيقية تنطوي تحتها شعرية جمالية شعرية أكبر داخل النص، إلى جانب ما تؤديه
تلك الأصوات الساكنة من أدوار
مهمة في تشكيل الموسيقى الإيقاعية للنص الشعري، فإذا اجتمعت كلها معا فإنها تزيد ذلك النص الشعري قوة
وفخامة
أكبر، فالشاعر المتمكن يستطيع أن يضفي على نصه الشعري ما يُسمى بالإيقاع
الباطني الذي نحسه ولا نراه، ويتم ذلك عن طريق مد الحروف أو تكرار أصوات
معينة، أو عن طريق استخدام الشاعر لحروف الهمس والجهر.
يعدّ الجهر ظاهرة صوتية بالغة الأهمية، يراهن عليها الشاعر كمبحث رابح
لتمرير وجدانياته، فقد تعددت المفاهيم وتنوعت الرؤى حول هذه الظاهرة الصوتية،
إذ فيعرف سبويهالصوت المجهور بأنّه: "حرف أشبع اعتمادا في موضعه وضع النفس، أن يجري معه حتى ينقضِ الاعتماد
عليه ويجري الصوت"[31].
وللمحدثين جهود كبيرة حول هذا المفهوم،إذ هناك من يرى"بأنّه الذي تتذبذب الأوتار الصوتية حال النطق به، وهي عندهم:(الباء،
والجيم، والدال، والراء، والضاد، والعين، واللام، والميم، والنون،
والياء)"[32]،علىخلاف الجهر نجد ظاهرة شديدة الأهمية، تساهم هي الأخرى في إيصال الفكرة
وتثمينها، ألا وهي (الهمس)، الدال الذي لقي اهتماما كبيرا من علماء اللغة
القدامى والمحدثين، يعتبرهسبويه بأنّهحرف أضعف الاعتماد في موضعه، حتىجرئ النفس معه،بينما عرفه
المحدثون بأنّهالصوت الذي لا تتذبذب الأوتار الصوتية حال النطق به،من أجل هذا
فإنّ الأصوات المهموسة 12 صوتًا، وهي:(التاء، الثاء، الحاء، الخاء، السين،
الشين، الصاد، الظاء، الفاء، الكاف، الهاء) فلهذه الحروف مدلولات حسية
تحمل بين طياتها معاني عدة
يمكننا استنطاقها من المغزى العام للقصيدة، فكما هو متعارف عليه أن الأصوات
المهموسة تخدم الموضوعات الرومنسية والحزينة، فهذه الحروف تعزز فكرة الشاعر
وتؤكدها.
ومن خلال هذا سنحاول أن نتأمل دلالات بعض الحروف في خطاب نادية نواصر،
لنستشف قيمتها الجمالية والموسيقية وأثرها في بناء النص الشعري، ففي قصيدة"على جمجمة الحلم يبيعون المساء"كررت الشاعرة حرف العين بصورة بارزة إذ تقول فيها:
سأغني في بلاد الشعراء
وسأعلن
احترافي
للحيارى
المتعبين
أيها
الهارب مني..من ضلوعي
من ضلوعي
تعصف ريح الصحاري
كيف أنسى؟
ليل
لبنان وصبح القدس صيف الأشقياء
وربيع
التعساء
وإباء
عربي
وشموخ
عربي
أتعرى من مواويلي[33]
نلتمس من خلال هذا المقطع الصوتي احتراق الشاعرة وألمها على حالة الأمة
العربية وما آلت إليه من أحزان وهموم، فراحت تغني لهم في مشهد مؤثر لتعلن عن
هذا الألم الذي يكوي داخلها، وتحاول من جهة أخرى أن تزرع في نفوس الناس القوة
والارتجالمن خلال ثورتها التي تزهر دما، فالشاعرة هنا لن تنسى لبنان الجريح
الذي مزقته الحروب الطائفية، ولن تنسى القدس الشريف الذي مازال ليله طويلا
تغمره الهموم والأحزان، نستشعر من خلال هذا النص نغمة موسيقية استرسلت على
طول النص الشعري، تميزها بعض الكلمات من خلال تكرار الشاعرة لحرف
"العين"لتضفي على النص جمالا إيقاعيا،حيث تكرر هذا الحرف "42" مرة في
القصيدة( أعلن، المتعبين، ضلوعي، ربيع، التعساء، أتعرى..)، فهذا الصوت
المجهور يمتلك قوة التأثير المتميز في النطق والموسيقى، وتكرار هذا الحرف جاء
متناوبا مع حرف "الحاء" الذي تكرر حوالي"30" مرة في القصيدة (احتراقي، حيارى،
ريح، صحاري، صبح..) وهو حرف مهموس، نتلمس هذا التناوب بين الجهر والهمس من
خلال صوت الشاعرة المرتفع فهو صوت الثورة والغضب الذي يتأجج في داخلها
المتألم، وصوت الهمس من خلال صوت الحيارى المتعبين، الذين أضحوا ضحايا للعنف
والدمار والخراب في بلاد القدس ولبنان، ليصبح صوتهم خافتا من الخوف والضعف
فهم الذين أُجبروا على الصمت ليكون الهمس ملاذهم الوحيد.
وهذا التكرار للحروف في القصيدة جاء ليبني مركزية الدلالة، ويبرز قدرة
الشاعرة وتجربتها الشعرية، إذ كان هناك نوعا من الارتباط بين الأصوات من خلال
تكرار حرف "العين" المتميز بالثبات والجهر والقوة وبين التجربة النفسية في
القصيدة من خلال موضوعها الأساسي الذي تتحدث من خلاله عن الجراحات الإنسانية
وهموم الأمة العربية التي ظلت تكابد هذا الحزن وتعانيه في صمت فُرض
عليها.
والواضح أن الشاعرة هنا تحاول أن تظهر أمام القارئ/ المتلقي ثابتة وقوية،
مما جعلها تصرخ بصوت جهوري قوي يمثله حرف"العين" الذي تواتر وتكرر كثيرا في
القصيدة، وهذا الاستخدام قد جاء عفويا ولاشعوريا من قبل الشاعرة لأن سياق
النص ودلالته تطلب ذلك، والتجربة الشعرية فرضت وجوده بطريقة شعورية أو غير
ذلك لكن له من الدلالة ما يغني النص ويزيده شعرية وجمالية.
أما قصيدة "وحدي دخلت في صدى الموال"فقد طغى عليها حرفين هما"الحاء"
و"الهاء" وهما حرفان حلقيان، حيث تكرر حرف "الحاء" (36) مرة، أما حرف "الهاء"
فتكرر في القصيدة (34) مرة، إذ يتضح من خلالها أن الشاعرة ابتعدت عن الحروف
القوية، لأن الحروف الحلقية لا تحتاج إلى جهد كبير في النطق، تقول الشاعرة في
هذه القصيدة:
سفر
يهاجر
في رحاب الدرب
في جرح
المسافة
ها..
مطر
يشوه
صحو
ذاتي
ريح
تلاعبها السنون
شبح
همجي
يعربد في
دمي
ها
نحن نوغل
ثم
نوغل
شد
الرحال
يا أيها
الجسد
المسافر
إلى المحال
يا أيها
الجسد
المتوج
بالصهيل
الريح
ليست معضلة
قد تحتمي
من شرقها
أو
غربها
هذا جدار
الوقت
ملجأ
الغريب[34]
الملاحظأن الشاعرة كانت في حالة مناجاة بينها وبين وطنها، فهما يشتكيان
لبعضهما في صمت وهدوء أحوال الوطن ومواجعه، فالأصوات التي استخدمتها الشاعرة
هي أصوات رخوة إضافة إلى كونها قريبة من الهمس (الحاء والهاء)، هي أحرف
مهموسة واستخدامها جاء منسجما مع الحالة النفسية للشاعرة التي كانت تتألم
وتعاني من جراحات وطنها الذي غربته السنون، فراحت تسترجع ذكرياتها على مرافئ
الزمن الذي حطت رحالها عليه، فعاشت غربة الوطن وغربة النفس في وقت واحد،
فالشاعرة لجأت إلى الأصوات الهادئة الشفافة لينسجم ذلك مع حالة المناجاة التي
تعيشها رفقة وطنها من بداية النص الشعري إلى نهايته، بأغلبية الحروف المهموسة
التي أضفت على النص نوعا من
الموسيقى النغمية التي تطرب الأذن، وتلفت انتباه القارئ أو المتلقي، فيتفاعل
معها وبالتالي سيعيش الحالة الشعورية التي تقتضيها الشاعرة داخل هذا النص،
وهذا ما جاءت به في قصيدة" أنا وأنت طائران من فزع الليل"إذ تقول:
إيه يا
وطني
حين أجلس
على واحل الزمن
الموعود
بالفرح الموهوم
وتضع
فاجعتي رحالها على مرافئ الوقت
ألمحني
وحيدةفي العراء البارد
بلا
انتماء بلا هوي
تتقاذفني منافي الزمن السريالي[35]
يتضح لنا من الانتشار الواسع للأصوات الحلقية داخل القصيدة بكاملها حيث كررت
الشاعرة هذه الأصوات اثنان وخمسون(52) مرة بواقع تسع وعشرين مرة للهمزة التي
أخذت نصيب الأسد، ثم حرف الهاء ثم حرف الخاء، والعين الصوت الحلقي المجوهر
الذي كررته الشاعرة تسع مرات في القصيدة، فاستخدام الشاعرة لهذه الأصوات جاء
منسجما وحالتها النفسية، حيث كانت تتألم وتعاني الوحدة في العراء البارد بلا
انتماء ولا هوية، وكأنها غريبة في وطنها الذي أضحى كل شيء غريبا عنها ولم يبق
لها منه إلا الذكريات الحزينة التي راحت تسترجعها على مرافئ الوقت الذي حطت
رحالها عليه، فكانت فاجعتها التي سافرت بها إلى عالم الوحدة والغربة، فكان
تيار الغربة أقوى منها فجرفها إلى تخومها فعاشت غربة الوطن وغربة النفس أيضا،
وفي قصيدة "حرب الكلمة هو كل ما نملك"استخدمت الشاعرة حرف "اللام"
بصورة مكثفة ولافتة للنظر تقول فيها:
نكتب
لأجل
وجع
المرحلة
للحلم
العربي الآفل
ولأنه:
محكوم
علينا كعرب
بالاعتقال
داخل
محراب الكلمة
الكلمة
كل ما نملك
في
لحظات
الوجع
العربي
.................
الكلمة
ترجمان
الفجيعة
ألق
الجراح
النازف
من الخليج إلى
آخر
خلجان
الروح
الضالة
صراع
الأجيال[36]
كررت الشاعرة حرف "اللام" في هذه القصيدة أكثر من (220) مرة وهو الأمر
الملفت للنظر، فحرف اللام هو حرف مهموس يخرج دون إحداث انفجار أو احتكاك على
مستوى اللسان ومخارج الأصوات، وقد ارتبط هذا الحرف هنا بدلالات الحزن والأسى
ومشاعر القلق التي تعيشها الشاعرة على غرار(الحزن، الليل، القلق، الوجع،
الآفل، اعتقال، الفجيعة الجرح، الضالة، الدماء القانية...)، فكأن بالشاعرة
تهمس في
نفسها ما آلت إليه الأمة العربية من تشتت وتفرق وعدم
التوحد.
فالعرب عندها لا يعرفون إلا
الكلمة وهي الحرب الوحيدة التي يقدرون عليها، إذ أنهم يقولون ويوثقون لكن لا
يفعلون وهو ما زاد حزن الشاعرة وقلقها حيال هذا الوضع ومستقبل الأمة العربية،
لكننا نراها تعاني هذا الألم في صمت فالكلمة هي لحظة الوجع، الكلمة هي ما
سيرمم بها العرب ما انكسر على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والروحية
والفكرية، فاللام هنا جسد بحق نغمة موسيقية حزينة مسترسلة على طول القصيدة
يلمسها القارئ أو المتلقي فور تلقي القصيدة ليلمس هو الآخر الحالة النفسية
التي تعيشها الشاعرة فيحاول أن يتفاعل معها خاصة وأن الموضوع هو الأمة
العربية والحال التي آلت إليها اليوم، تقول الشاعرة:
لنبكي
على أطلالنا
يوم
اتفقنا
على ألا
نتفق
وتوحدنا:
لنؤسس
مملكة
التفرق
والتشتت
ولنقيم
معابر
الدماء
القانية
ونعود
بعد كل هذا الصخب
لنقول
على نزف الوجع
حرب
الكلمة هو كل ما
تملك
الكلمة
الكلمة
ولا شيء
سوى الكلمة
لحظة
الوجع...لحظة
أنين
الروح....[37]
نتلمس هنا أن الشاعرة بدأت قصيدتها تسرد حال الأمة العربية الموجوعة والحزينة لتتوسطها بأحلام آفلة مفادها أن تتوحد هذه الأمة على كلمة
واحدة فتعيش على طول القصيدة تحلم بأن تشتعل منارات السلام لتضيء في أمتنا
العربية حدائق النصر، لكنها تستفيق في نهاية النص لتجد نفسها أمام الحقيقة
المخزية وأن العرب لن يتفقوا مهما طال الزمن وتنتهي بها اللغة والكلمة بلحظة
الوجع وأنين الروح، فتكرار اللام هنا جسد لنا ملامح الشاعرة وهي تكتب هذا
النص، وكأنها شاحبة الوجه كئيبة عيناها تملأهما قطرات شفافة حالمة بغد
أفضل
للأمة العربية، فما حمله هذا الحرف هنا هو التجربة الشعورية للشاعرة والتي جسدت فعلا مآسي الأمة العربية
وأحزان شعبها.
وتميزت القصيدة أيضا بطغيان حروف المد (الألف، الواو، الياء) والتي تعرف
بالصوائت، وقد امتازت عن غيرها من الأصوات بصفة المد الذي نلمس منه سمة القوة
فهي أكثر الأصوات سهولة في النطق ولطيفة على المسمع لأنها تمتلك امتدادا
يتناسب مع الحالة النفسية للشاعرة وشحناتها الهادئة، وقد اعتمدت عليها
(الصوائت) الشاعرة في تشكيل نصها الشعري، لأنها تدرك جيدا أنها عامل أساسي في
تجسيد دلالة القصيدة إذ استطاعت من خلالها أن تعبر عن مشاعرها الممتدة
وأحاسيسها العميقة.
2-شعريةالتكرار في خطاب نادية نواصر :
يعتبر التكرار من الآليات اللغوية الضرورية التي يحتاجها الشاعر لإيصال
رسالته، ففي التكرار جمالية تنبعث منه، وقد تكلم العديد من النقاد عن هذه
التقنية البلاغية، قديماوحديثا، يقول ابن الأثير:"فاعلم أنّ المفيد من التكرار يأتي في الكلام تأكيدا له وتشييدا من أمره،
وإنّما يفعل ذلك للدلالة على العناية بالشيء الذي كررت فيه كلامك، إما
مبالغة في مدحه أو في ذمه، أو غير
ذلك، ولا يأتي إلا في أحد طرفي الشيء المقصود الذكر والوسط، لأنّ أحد
الطرفين هو المقصود بالمبالغة، إما بمدح أو ذم أو غيرهما، والوسط ليس من
شرط المبالغة،
وغير المفيد لا يأتي في الكلام إلا عيّا وخطرا من غير حاجة إليه"[38]،فالتكرار سمة فنية وجمالية في النص الشعري تلفت انتباه القارئ، وما دراستنا
له إلا لأنه ذو علاقة وطيدة مع دلالة النص كما أنه يسهم بشكل كبير في صناعة
شعرية القصيدة بناء جماليتها ولتقوية العلاقة أكثر يجب أن يكون التكرار
المستخدم واضحا في النص الشعري
بمعنى آخر"يشترط أن تكون اللفظة التي تتكرر ذات علاقة قوية بمعنى النص كي لا تظهر
زائدةعن البنية الداخليةللنص ولا تبدو كإيقاع لفظي يجلجل بلا منفعة أسلوبية أو
فكرية أو نفسية"[39]، فالقارئ يأنس لهذه التقنية فيحاول البحث والكشف عن مكامن هذا التكرار
والهدف من ورائه داخل النص الشعري، لأن التكرار تقنية فنية جمالية تحمل في
طياتها دلالات مثيرة تحدث نوعا من الرغبة عند الشاعر لتأكيد موضع نصه الشعري
وجاذبية لدى القارئ للبحث في مكامنه داخل ذلك النص
"فالتكرار الفني في الكتابة الأدبية لا يأتي لمجرد تأكيد الشيء وتقريره،
ولكن لغاية بل ربما لغايات فنية يُراد من ورائها إشاعة الجمال الفني
لدىالمستقبل متلقيا وقارئا معا"[40]، وقد أصبح التكرار اليوم أسلوبا ضروريا في النص الشعري لا يستغني عنه
الشاعر معتبرا إياه من أهم وسائل التأثير، فالكثير من النقاد والباحثين
يعتبرون أن التكرار قد أضحى في الشعر المعاصر ظاهرة موسيقية ومعنوية في الوقت
نفسه، ومن أبرز الأسس الفنية التي تساهم في إغناء القصيدة، بالإضافة إلى أنه
أحد مكونات البنية الإيقاعية ومهما كان نوع التكرار حرفا، كلمة، عبارة أو حتى
سطرا شعريا أو مقطعا كاملا فإنه"يضع في أيدينا مفتاحا كاملا للفكرة المتسلطة على الشاعر بحيث نضع عليها،
أو لنقل أنه جزء من الهندسة العاطفية للعبارة، يحاول الشاعر فيه أن ينظم
كلماته بحيث يقيم أساسا عاطفيا من نوع ما"[41]، فأهمية التكرار لا تكمن فقط في كونه نغما موسيقيا وأثرا إيقاعيا، وإنما
يوحي للقارئ بالأهمية التي تكتسبها الألفاظ من دلالات ، ويأتي التكرار في
القصيدة بأشكال معينة، سنحاول رصدها من خلال بعض النماذج الواردة في خطاب
نادية نواصر الشعريلأنها لجأت إلى هذا الأسلوب في مواطن مختلفة، فتارة تكرر
الصوت، وتارة الكلمة، وتارة أخرى تكرار الجملة.
أ/تكرارالحرف (الصوت) في خطاب نادية نواصر :
عمدت الشاعرة إلى هذا النوع من التكرار (تكرار الحرف) لأنه يملك علاقة وطيدة
بدلالة القصيدة، كم أنه يلعب دورا بارزا في الموسيقى الشعرية أي مدى ارتباطه
بظاهرة الإيقاع، فقد تتردد في النص أصوات معينة بنسب متفاوتة لأن"تلك التوازنات الصوتية تسهم بصورة كبيرة في البناء الإيقاعي للشعر"[42]، وإذا عدنا إلى دواوين الشاعرة نجد أنها استخدمت هذه التقنية كثيرا بهدف
تشكيل إيقاعا داخليا لقصائدها ومن نماذج ذلك ما جاء في قصيدة"على جمجمة الحلم
يبيعون المساء"حيث تقول:
سأغني في بلاد الشعراء
وسأعلن
احتراقي
للحيارى
المتعبين
من دمي تزهر ثورة
ورغيف
الفقراء
تعصف ريح
الصحاري
فتحيل
الرمل كثبان ذهب
وتحيل
الصخر ماء
وتحيل
القحط زرعا
وطني حرف
تكرر في صلاتي
عصف الريح، طوفان المطر
صار
عنواني براكين الغضب[43]
إذا تأملنا هذا النص يتضح لنا أن الشاعرة قد كررت حرف أو صوت
"الراء"بصورة مكثفة،فهو حرف له وقع كبير على أذن السامع لما يثيره من
رنين وجرس يشد انتباه المتلقي، فتكرار هذا الحرف يدفع القارئ إلى الانفعال
والحركة فقد تكرر هنا حوالي(70) مرة فلا يكاد يخلو أي سطر من هذا النص من حرف
"الراء" لأنه لا محال يحمل في طياته قيما دلالية كما يضيف إلى موسيقية
العبارة أو النص نغمات جديدة، فقد أسهم تكرار هذا الحرف في إعطاء النص نغما
موسيقيا داخليا وخارجيا من خلال الكلمات التي تنتهي بها الأسطر الشعرية، ولا
يخفى علينا ما يحمله حرف الراء من دلالة التكرار هنا، فالشاعرة تغني رغم الحزن العربي
رغم الحصار على الرغم مما تعيشه بعض الدول العربية خاصة العراق والقدس فمهما
اشتد (الحصار، الدمار، الخطر، الجرح، الرعد، الخراب، تشرد) فإن الشاعرة تبقى
صامدة متشبثة بوطنها وببلادها العربية، ستغني لها وستعلن عن شعاراتها
المناهضة في لافتات مخطوط فيها ( من دمي تزهر ثورة، رغيف الفقراء، تعصف ريح
الصحاري، إباء عربي، شموخ عربي، أغنيات النصر تتردد، عصف الريح، طوفان المطر،
أعصر ريح الصحاري، شفتي إعلان ثورة، براكين الغضب)، فكلها شعارات تحمل في
ثناياها معاني القوة والتصدي والصمود والشموخ في وطن الأجداد وبلاد العرب التي لن تسقط رغما عن أنف الأعداء وتجبُرها، فتكرار صوت الراء لم يأت من فراغ بل
عبر عن الحالة
النفسية التي تعيشها الشاعرة داخل النص الشعري من قوة وحماس وحركة، كما أنه
يضفي على النص قوة لغوية وإيقاعية تثير انتباه القارئ وتزيده إحساسا قويا
بالانفعال والحركة، ومن الظواهر الإيقاعية أيضا عند الشاعرة هو تكرار حرف
الروي على مستوى التشكيل الشعري ومثال ذلك قولها:
هذي بلاد
هربت من صحوها
واختارت
الإغماء
طفا الخز
على مياهها
واختلطت
الأشياء
هذي
بلادي
هربت من شمسها
واختارت
الإغماء
وقتلت
صاحبها
واختارت
الإعياء بقبحها وحسنها
لأنه لا حب بعد حبها[44]
شكل حرف"الهاء"الموصول بمد رويا للكلمات (صحوها، مياهها، شمسها،
صباحها، حسنها، حبها، هواها)، فهذا الصوت شكل إيقاعية أكثر لأنه يوحي للقارئ
بالاهتزازات المتواترة والاضطراب النفسي عند الشاعرة، لأنها تعبر عن مشاعر
إنسانية وعواطف جياشة، كما أضفى على القصيدة نوعا من الإيحائية والشعرية التي
ولدت داخل النص نغما موسيقيا، وشكلت في آخر كل بيت فاصلا نغميا ودلاليا.
ب/ تكرار الكلمة (اللفظة) في خطاب نادية نواصر :
هو عبارة عن تكرار الكلمة سواء كانت فعلا أو اسما، فالكلمة تملك أهمية خاصة
داخل النص الشعري، خاصة وأن الشعر تجربة حساسة ولكل كلمة في النص الشعري معنى
مباشرومضيء وتحمل في طياتها معنى إيحائيا مستترا، وإذا كان النص في الخطاب
الشعري يعتمد على الموسيقى، فإن للألفاظ دور وأهمية كبيرة في صناعة هذه
الموسيقى إلى جانب دلالاتها المعنوية، يقوم تكرار الكلمة أو اللفظة على
التكرار دون تغيير في المعنى والمبنى، وقد يكون التكرار في أول السطر أو في
وسطه أو في آخره، فالأهم أن الشاعر يهدف من وراء هذا التكرار تحقيق مستويين
مستوى صوتي وآخر دلالي إذ يشكلان معا ما يعرف بالتوازن داخل النص الشعري، وقد
استخدمت الشاعرة هذا النوع من التكرار بصورة مكثفة ضمن دواوينها الشعرية، ومن
أمثلته ما جاء في قولها في قصيدة"حاصروا السيدة":
الحصار!
الحصار!
الحصار!
حاصروا
السيدة
الحصار
صعود
إلى سدرة المنتهى
.................
وحدي
أغني
وحدي أشق
الزحام
إنني
السيدة
لكنني
جئت أغني
دوما
أغني
وحدي
أغني
وحدي أشق
الزحام
إنني
السيدة
لكنني
جئت أغني
وحدي
أغني
يا سيدي
السلطان[45]
كررت الشاعرة في هذا المقطع الشعري لفظة أغني(5) مراتلما تحمله هذه
اللفظة من مدلولات إيجابية داخل النص الشعري، إذ حملت دلالات التحدي والصمود
على الرغم من الحصار الذي فرضه عليها الرجل، لأن الشاعرة أكدت على ذلك الحصار
بتكرارها لهذه اللفظة(الحصار) حوالي(9) مرات، وكأن بالشاعرة هنا تحاول
أن تعود بنا إلى زمن كانت فيه المرأة تعيش ظلما وقهرا، أين كانت لا يُسمح لها
من تخطي حتى عتبة الباب، لكن الملاحظ أن الشاعرة لم ترضخ لتلك العادات التي
من شأنها أن تهمش الأنثى وأحلامها وإرادتها وعزمها فهاهيتجعل من غنائها تحد
لآهات الزمن الصعب، فرغم الصراخ والأسى إلا أنها لم تنقطع عن الغناء، إنّه
صوت المرأة الذي يبحث دوما عن زرع البسمة بترانيم غنائية مسترسلة تزف في
قصائد شفافة حالمة، وما آل بنا إلى هذا
التأويل هو استهلالها للقصيدة بمدخل تقول فيه:
نهمشهم
نقصيهم
ويوم
ينتحرون:
نمشي في
جنازاتهم
متلبسين
ببراءتنا[46]
وجاء التكرار أيضا في قصيدة"العام يخطو صوبنا" إذ تقول:
عام سعيد
يا حبيبي
عام
سعيد
حب
سعيد
حزن
سعيد
قلب
سعيد
هلع
سعيد[47]
نلاحظ أن الشاعرة قد كررت لفظة سعيدحوالي عشر مرات في النص، محاولة
من خلال هذا التكرار إثبات حبها لهذا الإنسان، فلم تجد ما تهديه إلا هذه
الكلمة في بداية عام جديد فكل شيء -حسبها-يؤول للزوال إلا الكلمات الجميلة
التي لا يمكن نسيانها، لأنها مرسلة من القلب للقلب، فرغم كل حزن عاشته من
وراء هذا الحب إلا أنها ستتذكره بداية كل عام لترسل لها هذه الكلمات لتذيب
بها تلك الأشواق التي غزت قلبها، فتكرار هذه الكلمة داخل النص أنشأت حركة
إيقاعية كما لها ارتباط وثيق بسياق النص الشعري ولهذا أولتها الشاعرة عناية
كاملة أكثر من الألفاظ الأخرى لأن التكرار"يخضع لقانون التوازن الذي يتحكم بالعبارة،فيجب أن يجيء من العبارة في
موضع لا يثقلها ولا يميل بوزنها إلى جهة ما"[48]،فالشاعر إذا أراد أن يلفت انتباه القارئ عليه أن يجسد بعض التقنيات التي من
شأنها أن تغني النص بجمالية وشعرية بعض الأساليب كتقنية التكرار، وتقول أيضا
في قصيدة أخرى:
غنّ بغداد
فالقصف
الآن غناء
والجرح
الآن غناء
والحزن
الآن غناء[49]
الملاحظ على هذا المقطع والمقاطع السابقة أن الشاعرة قد آثرت أن يكون
التكرار في آخر السطر الشعري، ونتلمس من خلاله أنه يلتقي مع القافية مادام
أنه تكرار للكلمة نفسها، وهذا ما يضفي على النص الشعري إيقاعا جماليا خاصا،
يلفت بالتأكيد القارئ كما يزيد شعرية البنية الدلالية للنص الشعري، أما عن
نماذج التكرار في بداية النص الشعري فنورد قول الشاعرة في قصيدة"ماذا عساه
يقول مولانا السلطان":
وسآتي
إليك
رغم
الريح والأمطار
رغم
الثلج والإبحار والإعصار
سآتي
إليك
رغم
طوفان كل الدنيا
رغم
موانعه
سآتي
إليك[50]
وتقول في قصيدة "فسحة للمتاهة وأخرى للذهول":
لك
الغربة المشتهاة
لك
النبضة الشاردة
لك اللغة
الواردة
لك
البعد/ والقرب
.................
لك
الاختزال/ لك الاختصار...
لك
الازدواج/ لك الانكسار
لك كل
هذه المعاني لترى المدار...
لك فسحة
للمتاهة[51]
نتلمس من خلال الأسطر الشعرية السابقة ذلك التناغم الموسيقي والإيقاع الجميل
الذي تطرب له الأذن وترتاح له الأنفس، عن تكرار كلمة (لك) في بداية كل
سطر شعري يجعل من النص الشعري سلسلة من الموجات الصوتية والنغمات الموسيقية
التي لا تنتهي إلا بعد أن تبلغ من المستمع/المتلقي مبلغا عظيما، فلا تكاد
تنتهي موسيقى السطر الشعري حتى تعود لتنشر تلك الألحان المؤثرة في السطر
الشعري اللاحق، فلفظة (لك) تحدث شعورا بتطور الحالة الشعورية
المتنامية لدى الشاعرة من بداية النص الشعري إلى نهايته، وهذا ما يبحث عنه
القارئ في النص أي أنه يحاول أن يدرك الحالة النفسية التي تعيشها الشاعرة
داخل النص الشعري من خلال بعض التقنيات التي تستخدمها، وهذا ما حققته نادية
نواصر من خلال تقنية التكرار التي عرفت جيدا كيف تجسدها داخل بعض نصوصها
الشعرية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشاعرة قد استخدمت تقنية التكرار اللفظي بصورة
مكثفة، بحيث لا يمكننا أن ندرج كل النماذج، وللتذكير فإن أكثر ديوان اعتمدت
فيه على هذه التقنية هو ديوان "أنا اللاجئة إلى أعشاب صدرك"، ومن أكثر
النماذج تمثيلا لذلك ما جاء في قصيدة
"مدخل للفراغ"[52]، حيث كررت بعض الألفاظ محاولة لفت انتباه القارئ من جهة وصناعة بنية
موسيقية إيقاعية داخل النص من جهة أخرى، تقول الشاعرة:
بارده
الأمسيات
بارده
اللحظات
بارده
النبضات
بارده
الكلمات
بارد كل
شيء
ساقط
دفونها
من يدي
والضياع...
الضياع...
.................
ها...
خلفتني وحيدة على ساعد الوقت وحدي
خلفتني
وحيدة
والضباب...
الضباب...
الضباب...
وامتزاج
الصدى بالصدى
خائفة...
خائفة...
والفراغ...
والفراغ...
والفراغ
والفراغ..
نلاحظ من خلال هذا التكرار المكثف داخل النص الشعري بوضوح تلك الحالة
النفسية المضطربة التي تعيشها الشاعرة داخل هذا النص، وما الدليل على ذلك إلا
تكرارها لبعض الكلمات التي تنتمي إلى حقل الخوف والارتباك، وتتمثل تلك
الكلمات في قولها: (الضياع، الضباب، خائفة، الفراغ)، هذه الكلمات التي تكررت
كل واحدة منها أكثر من ثلاث مرات في النص، فبالإضافة إلى الإيقاع الشعري الذي
تصنعه هذه الكلمات فإنها من جهة أخرى ساهمت في تحديد البنية الموضوعية للنص
حيث أحالت القارئ على موضوع النص الذي أمامه وهو الخوف من فقدان الحبيب ومن
ثم العيش في وحدة موغلة في الظلام والحزن والفراغ والخوف.
ج/تكرار الجملة في خطاب نادية نواصر :
وهو أيضا أسلوب أسهبت الشاعرة كثيرا في استخدامه ضمن دواوينها الشعرية، لأنه
من أهم سمات القصيدة الحديثة، كما أنها تهدف من وراء استخدامه التركيز على
المعنى العام للنص الشعري، وكذا تحقيق الإيقاع الموسيقى من جهة أخرى، وقد
رصدنا هذا النوع من التكرار في كثير من القصائد فمثلا في قصيدة"العام يخطو
صوبنا" تكررت جملة (إني أغار)في ثناياالقصيدة أحد عشرة (11) مرة
وسندرج بعض الأسطر منها:
أهديك
وردا؟
إني أغار
من الورود
..................
أهديك
عطرا
إني أغار
من العطور
حين
يلامسها النسيم
إني أغار
من الشجر
حين
يظللك وتمشي
إني أغار
من الهوى
حين
يداعبك وتمضي
إني أغار
مما أكتب إليك
إني أغار من،
غيرتي
هذي عليك
إني
أغار..!
إني
أغار..!
إني
أغار..!
يا
صديقي
من حبي لك..[53]
كررت الشاعرة جملة "إني أغار"بعد كل سطرين أو بضعة أسطر، وهي
بإعادتها لهذه الجملة التي تُعتبر محور القصيدة كأنها تريد شد انتباه
المتلقي، لما تضفيه هذه الجملة من دلالة التأكيد على أنها تغار على صديقها من
كل شيء يلمسه، أو حتى الهواء الذي يتنفسه بل حتى من حبها له، وتلك الكلمات
والجمل الرومانسية طبعا سيكون لها تأثيرا قويا على نفسية المتلقي، وبالتالي
تجعله يحس بمشاعرها الجياشة وألمها من هذا الحب ومن الغيرة على صديقها فلم
تجد هدية إلا واقترحتها لكنها تتراجع عنها بسبب غيرتها، أما في قصيدة"أنت القاتل وأنا القتيلة"[54]فقد كررت الشاعرة جملة "عذرا صديقي"سبع مرات، وهذا ما أدى إلى إحداث
نوع من الإيقاع المرسل على طول القصيدة، فتكرارهاعبارة (عذرا صديقي) عدة مرات
في النص يوحي لنا بمدى ذنبها المقترف في حق صديقها الذي ألحت كثيرا على طلب
الاعتذار منه بهذه الصورة، فهي من أغوار مشاعرها وأعماق عواطفها تعتذر منه إذ
تقول:
عذرا
صديقي
إذا أنا
نسيت نفسي
عذرا
صديقي
إن أنا
كنت
تجاوزت المشاعر والشعور
عذرا
صديقي
إن
أنا
كسّرت
حاجزنا المنيع
.................
عذرا
صديقي
إن
أنا
شرعت
قلبي كالشراع
ضاع مني
الحبل
ضاع يا
صديقي
.................
عذرا صديقي
إن أنا
أطلقت
للقلب العنان
قلبي
حصان أبيض
قلبي
حصان
يا
صديقي
قلبي
حصان
إن تكرار جملة "عذرا صديقي" أضفى على القصيدة بنية موسيقية محملة بنبضات
إيقاعية، إذ أنها جاءت في سياق يعبر عن حالة حزن الشاعرة وأسفها مما ارتكبته
في حق صديقها، إذ أنها حالة نفسية يحتويها اليأس والحيرة، كما أن هذا التكرار
الذي سيطر على مقاطع النص الشعري قد أكسب النص نغمة موسيقية عذبة زادت من تطريب القصيدة وتنغيمها، فهي تناسب
أكثر أحاسيس الشاعرة خاصة وأنها تعترف بخطئها وتطلب العذر من صديقها، فيمكن
اعتبارها (الجملة المكررة) نغمة موسيقية متصلة مباشرة بعواطفها وامتداد
آهاتها عل طول النص الشعري، ولكن رغم ذلك فالشاعرة لم تبين ضعفها لهذا الصديق
لأن قلبها قويا كقلب الحصان الأصيل ودليل ذلك هو تكرارها لجملة"قلبي حصان"،
فهنا تشبيه بليغ باعتبارها حذفت منه أداة التشبيه ووجه الشبه مبالغة في قوة
ومتانة قلبها الذي لا يُقهر، وتقول في قصيدة أخرى:
لم تصل
أنت
بل وصل
ظلك
لم أصل
أنا...
بل وصل ظلي
لم يحدث
اللقاء
بل حدث
ظله
لم يحدث
الفراق
بل حدث
ظله
لم يحدث
التوّحد
بل حدث
ظله
لم يحدث
التزاوج
بل حدث
ظله
لم يصل التصاقي بك
بل وصل
ظله
لم يصل انسلاخي عنك أيها الآخر
بل وصل
ظله
لم يصل ظلي
وظلك
بل وصل
ذلك الإحساس المرير[55]
كررت الشاعرة في هذا النصالشعري جملتين منفيتين هما:"لم يحدث" و
"لم يصل" وهما جملتان تحملان في طياتهما معنى البعد والقطيعة وعدم
الوصول، فالشاعرة تنتظر في شوق رهيب هذا الوصال واللقاء، لكنه يبقى دائما بعيد الحدوث والمنال لأنه لم يصل ولم يحدث اللقاء
أصلا حتى يحدث التوحد، فالشاعرة هنا تحاول أن تجعل القارئ يعيش حالتها
النفسية المرتبكة والحزينة من
جراء هذا البعد وطول الانتظار كما سيعيش معها القارئ معاناة الانتظار، فهي
تؤكد هذا الألم والشعور بالإحباط والملل من خلال تكرارها للجملتين المنفيتين
على طول النص الشعري.
ومن نماذج تكرارها للجملة ما جاء في قصيدة "يبغونني أنسى صلاتي"حيث
كررت الشاعرة جملة "يبغون لي"سبع مرات على طول النص الشعري إذ
تقول:
يبغون لي
هذا السكون
يبغون لي
هذه الركود
يبغون لي
لغة الجحود
يبغون لي
الإجحاف،
في حق
الشعور
عن أغلى
الأمور[56]
إن ما أرادت الشاعرة تأكيده من خلال هذا التكرار هو أن هناك من يحقد عليها
لأنها تعيش سعادة الحب، سعادة العيش والحياة، لأنها ببساطة عرفت الطريق إلى
الحب، فحبها إعصار تحرر من القيود قيود، الوأد والموت فهاهي تشتكي لحبيبها من
هؤلاء الذين تصفهم بـ (الرفاة) لأنهم لم يعرفوا معنى الحب والسعادة والحياة،
وبأنهم يريدون وأدها هي الأخرى، فالشاعرة بتكرارها هذا جعلت النص مبنيا على
نغمة موسيقية متماوجة، فهي تكرر الجملة في ثلاثة أسطر ثم تسترسل في لغتها
الشعرية وتعود للجملة نفسها لتستخدمها في سطر آخر، وهذا ما يحدد المعنى العام
للنص الشعري لدى القارئ ومفاده الرفض والتحدي للقيود التي تمنع عنها الوصول
للحب والسعادة.
كما أنها اعتمدت أحيانا أنواعا أخرى من التكرار، كتكرار التصدير وتكرار
التجاور لكن بصورة أقل من الأنواع السابقة، لذا لم نتطرق إليها لكن يمكن لأي
قارئ أن يعود إليها
بالنظر مثلا إلى:( ديوان أشياء الأنثى الأخرى ص43، ديوان صهوات الريح ص49،
وديوان أوجاع ص33)، ومن نماذج تكرار الجملة أيضا قولها:
وإذا مسك القرب منوع
وإذا مسك البعد هلوع
وإذا مسك الشوق جزوع[57]
نلاحظ تكرار جملة "إذا مسك" مرات عديدة وهي جملة الشرط، فالشاعرة في
هذا المقطع تناصت مع القرآن الكريم، وتفاعلت معه حيث استحضرت بعض آياته
الكريمة، حتى تضيف على نصوصها رونقا وجمالا، وتزيدها حجة وتأكيدا، وتكون أكثر
إقناعا في تصوراتها، فاستحضرت قوله تعالى{إنّ الإنسانَ خُلقَ هَلوعَا، إذا مسّه الشرُّ جَزوعَا، وإذا مسه الخَيرُ
منوعا}
سورة المعارج، الآيات، 19، 20، 21.
ومن خلال ما سبق نقول:إن الشاعرة استخدمت التكرار لغايتين أساسيتين،ساهما
بشكل واضح في بناء شعرية وجمالية النص، وهما تحقيق البنية الدلالية العامة
للخطاب الشعري، وخلق نغم موسيقي بمنح ذلك الخطاب إيقاعا خاصا يطرب القارئ من
جهة،كما يربطه بالبنية الدلالية للقصيدة من جهة أخرى،
فيمكن القول إن الشاعرة قد حققت ذلك الهدف في معظم دواوينها الشعرية.
3/ الثنائيات الضدية ودورها في التأثير والإقناع في خطاب نادية نواصر :
تعتبر الثنائيات الضدية من أبرز أساليب التأثير والإقناع في الشعر، فمن خلال
التضاد يقوم الشاعر بالتمييز بين متناقضين ليبين الفرق بينهما، فتعمل النفس
على الأخذ بالأحسن الإيجابي والنفور من الرديء السلبي، والربط بين الأشياء
المتناقضة يثير العواطف الأخلاقية والمعاني الفكرية في نفسية وذهن المتلقي،
لأنه يحاول أن يعيش هذه المفارقة بين المتنافرين، وهذه الإثارة هي التي تؤدي
إلى التأثير والإقناع وتحقيق الغاية المرجوة من قبل الشاعر، إضافة إلى ذلك
فإن الثنائيات الضدية تساعد المتلقي على التذكر واستحضار المعاني الغائبة عن
الذهن، فالضد يذكر المتلقي بضده ويحضره دونما عناء لأنها تعتبر نمطا تعبيريا
محفزا للتذكر، ويقوم بتلبية حاجات الذاكرة. فالثنائيات الضدية يجمعها دائما
الصراع والتوتر الناتجين من تنافر نزعتين في حياة الإنسان وبالتالي"فمن الواضح أن الجمع بين الأضداد يخلق حالات الاضطراب والقلق والحيرة،
والتوتر ينشأ هنا من الثنائيات التي حكمت النص بمستوياته المتعددة، فتفضي
إلى تحييز الوحدة الشعرية والارتقاء بها إلى مستوى التكثيف"[58]، فالألفاظ المتضادة تضفي حركة داخل النص الشعري من خلال معانيها المتنافرة،
وهذا ما تهدف إليه اللغة الشعرية داخل النص من خلال التضاد وجمالياته داخل
النص الواحد"إذ تسعى اللغة الشعرية إلى كشف أسرار الذات وأبعاد الواقع من غير الوقوف
عند المستوى التقريري للأداء اللغوي، بخلق عوالم تشع بالإشراق الدلالي
والتوهج الفني وهي خاصية تحفظ فرادة الشعر"[59]، وبالتالي فاللغة تحتاج إلى عمق القراءة والتأويل فمعرفة أسرار اللغة تعتبر
من أهم الحلقات التي تدخل القارئ إلى سرّ العالم الشعري لما تحمله من وظائف
جمالية ومعنوية.
وإذا عدنا إلى خطاب نادية نواصر نجدها احتفت كثيرا بهذا الأسلوب في التعبير
عن مشاعرها وإثبات تجربتها الشعرية، لهدف وحيد وهو منح النص الشعري جمالية
أكثر وبالتالي التأثير في المتلقي، لكن الملاحظ في هذا التوظيف للثنائيات
الضدية عندها هو اعتمادها على التضاد الصريح، ويكون ذلك بذكر اللفظتين
المتضادين الأصليين
"فهو يعتبر من أكثر أشكال التضاد التي يستخدمها العرب في أغلب الأحيان
استخداما يكاد يكون روتينيا وقد ألف
الشعراء ذكره، باعتباره مكملا للصورة في إطارها العام"[60]، ويكون هذا من خلال ذكر لفظتين صريحتين متضادتين في المعني خاصة إذا تعدد
الثنائيات الضدية في النص الواحد فذلك ما يكسب النص شعرية أكثر" فيكون للتضاد هنا دور أبرز من مجرد استدعاء لفظة للفظة المضادة، أي أن
استخدامها يكون خالقا للشعرية"[61]، وهذا ما يهدف إليه كل شاعر حتى تكون لغته أكثر إيحاء وشعرية وبالتالي أكثر
تأثيرا في المتلقي، ومن نماذج توظيف الثنائيات الضدية عند نادية نواصر قولها
في قصيدة"يسكنني فرح حضورك ويجلدني فزع غيابك"[62]
وشهيقي
بين
قراراتي التحررية
وتصريحاتي الانهزامية
بين
أعراس الرفض
وحتمية
القبول
.................
وفي يدي
اليمنى حرائق صحوي
وفي
اليسرى جنات غفوتي
.................
حيث يصبح لكل ضالته
لكل منا
سياسته
لغته
أوجاعه
أحزانه
أفراحه
.................
ذاك
الرواج الكبير
بتلك الثنائيات الضدية ترسم الشاعرة حالتها النفسية التي آلت إليها بعد أن
عاشت الحب بآلامه وأفراحه، فانطلاقا من العنوان حتى نهاية القصيدة استخدمت
الشاعرة أكثر من عشرة ثنائيات ضدية، جسدت من خلالها حالتها النفسية قبل الحب
وبعده، أي أنها كانت في موقف مقارنة بين الحالتين لترى أيهما أفضل، فالحضور
والغياب هما الصورتان الأساسيتان اللتان بنت عليهما الشاعرة نصها الشعري من
العنوان حتى نهاية القصيدة، فإذا كان العنوان مبنياعلى الحضور والغياب
فبينهما(النص) عاشت الشاعرة كل معاني الحب من: فرح/حزن،النوم/الأرق، الصحو/
الغفوة، الانتصار/الانهزام، الراحة/ القلق، الخوف/ الطمأنينة، الحب/ الكره،
التناثر/التلملم، الجنون/العقلنة، فهذه كلها ثنائيات ضدية جسدت من خلالها
الشاعرة حالة الإنسان قبل أن يحب ثم كيف تنقلب حياته المطمئنة ونفسيته
المستريحة وراحته التامة إلى قلق وخوف وفزع لكن ليس من الحب وإنما خوفا من
فقدان هذا الحب وصاحبه، تحاول الشاعرة بعث رسالة مفادها أن الحب جميل بحلوه
ومره، فالعنوان وحده كان تجميعا مكثفا لدلالات النص الشعري وإضاءة لتشابك
عناصره الداخلية، فعلى الرغم من هذه التناقضات في التنافر الدلالي"فإن الإضافة تمزج بين الدلالتين وتكرس التحامهما فتذوبان في التعريف الذي
يشملهما، الأمر الذي يثير شهوة القارئ للإقبال على جسد النص لتفكيكه
واستنطاق معانيه وفض مغاليقه حين يقف على الفوضى التركيبية والمعاني
الإيحائية المتراوحةبين التقارب والتباعد"[63]،فهذا الإيحاء الذي صنعه هذا التكثيف في استخدام الثنائيات الضدية هو الذي
يوحي للمتلقي بالحالة النفسية التي تعيشها الشاعرة، فمن خلالها يدرك مدى حيرة
الشاعرة وقلقها واضطرابها النفسي، لأنها وقعت بين الحب واللاحب من خلال
المفارقات التي جسدتها تلك الثنائيات الضدية التي انطلقت من العنوان حتى
نهاية القصيدة.
وتقول في أنموذج آخرمن
قصيدة
"حرب الكلمة هو كل ما نملك"[64]:
لأن الأرض ضيقة
وأحلامنا
واسعة
جنونية
..................
مشي في
محراب النضال
اللامتناهي
صدى
الماضي
وصوت الحاضر
وجسد
الذين جاؤوا
من قبل التاريخ
وبعده
قبل
الكلمة نفسها
وبعدها
للفرح الراقص
للحزن
المبتسم
.................
وتوحدنا
لنؤسس مملكة
التفرق والتشتت
يبدو أن أسلوب التضاد أصبح جزءا من كتابات نادية نواصر ولا يمكنها الاستغناء
عنه، كيف لا وقد رأت فيه كباقي الشعراء وسيلة هامة للإقناع والتأثير، وقد
أصبح آلية من آليات الحجاج والبرهان، وقد رأينا هنا أن الثنائيات الضدية قد
استغلتها الشاعرة لسياق هادف وهو تعرية الحقائق وكشفها للقارئ/المتلقي فالعرب
حسب المقولة المشهورة قد اتفقوا على ألا يتفقوا وهذه الفكرة التي أرادت
الشاعرة أن تلمح لها من خلال أسلوب التضاد المكثف داخل القصيدة ، وبما أن
التضاد يذكرنا بضده ويحضره لنا فالشاعرة ذكرتنا بأطلال العرب يوم كانوا
يدا واحدة لكنهم اليوم خانوا
وشتتوا وحدتهم إذ أخلفوا الوعد، فالحب عند الشاعرة انتهى في زمن مجنون ليلى
يوم توحدوا ليؤسسوا مملكة التفرق والتشتت، ولم يبق إلا الكلام والقيل والقال
لكن من دون تنفيذ، ولو توحد العرب لتحرر القدس الشريف لكن أين العرب من ذلك،
فالشاعرة هنا جسدت التضاد في
صورة صريحة ومباشرة وكأنها تحيل القارئ على صورة العرب كيف كانوا وكيف
أصبحوا"فالتضاد الصريح قد يستحضره الشاعر في قصائده لمباشرة المتلقي بقوة هذا التضاد ووضوحه بشكل مكتوب مخفيا وراءه أهدافا ومعاني كثيرة
تتوارى خلف هذه الصراحة"[65].
ولها في أنموذج آخر
قولها:
إليك
أرفع أوجاعي
في زمن
الدم والأعراس
زمن
النار والماء
زمن الحب والموت
.................
الإقتراب من كواكبك
ومجراتك
انتحار
والإبتعاد عنك انتحار[66]
وتقول في قصيدة
أخرى:
أغادرك
وأقول
لا الغياب مشفانا
لا الرحيل مشفانا
لا
الموت..
لا الحب مشفانا ولا اللاحب
وأقول هو
ذا الفرق الشاسع
بين الحب واللاحب[67]
وفي قصيدة أخرى تقول:
لم تصل أنت
بل وصل ظلك
لم أصل
أنا...
بل وصل ظلي
لم يحدث
اللقاء
بل حدث ظله[68]
أكثرت الشاعرة من أسلوب التضاد لأغراض جمة، تراوحت بين الإثبات والنفي تارة،
والجمال تارة أخرى، فمرات تجدها تؤكد فكرة ما ومرة تنفيها وتعارضها هذا من
جهة، ومن جهة أخرى استعانت الشاعرة بهذا المحسن لابتكار جمالية ما فتعمل بهذه
التضادات على دغدغة حواس السامع وشد انتباهه، فتحدث نغمة موسيقية عذبة يطرب
الذوق لسماعها.
فالتضاد إذن هو عنصر أساسي في تحقيق فاعلية وشعرية النص الأدبي، فهو مخالفة
يتلقاها القارئ عبر كسر السياق من خلال التأمل والتأويل، إنه أسلوب يؤثر في
القارئ أو السامع فينفعل به ويشحذ ذهنه ليفهم دلالته المتداخلة، لأنه يجمع
بين المعاني وإن كانت متخالفة،إذ نجد دائما بين المعنى وضده علاقة يجسدها
الماسك النصي لأن دخول اللفظة في علاقات مع الألفاظ الأخرى يكسبها وظيفة لم
تكن تملكها من قبل فتنبثق وظائف دلالية أخرى أو إيقاعات موسيقية جديدة فتثير
مشاعر القارئ وتحركها.
وأخيرا يمكن القول: إن التضاد أسلوب يمكن الوثوق به داخل النص الشعري لأنه
يساهم في تجسيد شعرية النص الأدبي وجمالياته وتفعيله، إذ يربط بين متناقضين
فيكشف حقائق الأشياء وتقنع العقل وتسهم في إنتاج الدلالة وتقريبها إلى
الأذهان فيثير النفس ويحركها ويؤثر فيها،كما يحقق التماسك والانسجام بين
أجزاء النص فيجمع بين المتعة الشعرية والإقناع.
للعودة الى المقال السابق اضغط هنا
[1]ـ ناصر لوحيشي: مفتاح العروض والقافية، دار الهداية، الجزائر، (د/ط)،
2007، ص24.
[2]- أدونيس، مقدمة للشعر العربي، دار العودة،
بيروت/لبنان، ط، 1996، ص116.
[3]- يوسف وغليسي، خطاب التأنيث، ص158.
[4]- يوسف وغليسي، خطاب التأنيث، ص145.
[5]- المرجع نفسه، ص165.
[6]- سوزان برنار، قصيدة النثر (من بودلير إلى
أيامنا)، تر:د.زهير مجيد مغامس، دار المأمون، بغداد، 1993، ص142.
[7]- نهاد مسعي، شعرية القصيدة النثرية
الجزائرية(عبد الحميد شكيلأنموذجا)، موفم للنشر، الجزائر، 2013، ص78.
[8]- يوسف وغليسي، خطاب التأنيث، ص11.
[9]- رولان بارت، لذة النص، تر:منذر عياشي، دار
الوسيم،ط1،
دمشق، 1992، ص9.
[10]- محمد عزام، التحليل الألسني للأدب، منشورات
وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، دمشق، 1994، ص58.
[11] ــ صابر الدايم: موسيقى الشعر العربي بين
الثبات والتطور، مكتبة الخانجي، ط3، القاهرة، 1993، ص 80.
[12]- رابح ملوك، بنية قصيدة النثر وإبدالاتها
الفنية، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الأدب العربي، جامعة
الجزائر،2007، 2008، ص224.
[13]- المرجع نفسه ص278.
[14]- ناصر لوحيشي: مفتاح العروض والقافية، ص
50.
[15]- عز الدين اسماعيل، الشعر العربي المعاصر،
قضاياه وظاهره الفنية والمعنوية، ص113.
[16]- رابح ملوك، بنية قصيدة النثر وإبدالاتها
الفنية، ص301.
[17]- حسين كياني، دراسة في البنيتين الإيقاعية
والدلالية للقافية وطرائق استخدامها في الشعر الفلسطيني المقاوم بعد
النكسة1967، مجلة آفاق الحضارة الإسلامية، أكاديمية العلوم الإنسانية
والدراسات الثقافية، ع22، إيران، 1440ه، ص267.
[18]- نادية نواصر، صدى الموال، ص74.
[19]- نادية نواصر، صهوات الريح، ص79، 80.
[20]- حسين كياني، دراسة في البنيتين الإيقاعية
والدلالية للقافية وطرائق استخدامها في الشعر الفلسطيني المقاوم بعد
النكسة1967، ص269.
[21]- نادية نواصر، المشي في محرابك، ص43.
[22]- نادية نواصر، حديث زوليخة، ص85.
[23]- نادية نواصر، أنا اللاجئة إلى أعشاب صدرك،
ص91.
[24]- نادية نواصر، حديث زوليخة، ص105.
[25]- نادية نواصر، لبونة صهد القلب، ص85.
[26]- نادية نواصر، أوجاع، ص19.
[27]- حسين كياني، دراسة في البنيتين الإيقاعية
والدلالية للقافية وطرائق استخدامها في الشعر الفلسطيني المقاوم بعد
النكسة1967، ص270.
[28]- ناديو نواصر، أشياء الأنثى الأخرى، ص9.
[29]- محمد عزام، التحليل الألسني للأدب، ص53.
[30]- يُنظر الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق: عبد
السلام هارون، مكتبة الخانجي، د/ط، القاهرة، 1961، ص161.
[31]-
عبد المعطي نمر موسى:
الأصوات العربية المتحولة وعلاقتها بالمعنى، دار النشر، الأردن،ط1، 2001،
ص48.
[32]- عبد المعطي نمر موسى: الأصوات العربية
المتحولة وعلاقتها بالمعنى،ص 51.
[33]- نادية نواصر، صهوات الريح، ص09.
[34]- نادية نواصر، صدى الموال، ص52.
[35]- نادية نواصر، صهوات الريح، ص22.
[36]- نادية نواصر، لبونة صهد القلب، ص13.
[37]- نادية نواصر، لبونة صهد القلب، ص22.
[38]- ضياء الدين بن الأثير: المثل السائر في أدب
الكاتب، دار النهضة، مصر، ج3، ص 4.
[39]- وليد بوعديلة، شعرية الكنعنة(تجليات الأسطورة
في شعر عز الدين المناصرة، ص106.
[40]- عبد الملك مرتاض، بنية اللغة الشعرية عند سعد
الحميدين، مجلة علامات، ع59، جدة، 2006، ص129.
[41]- نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، دار
العلم للملايين، ط5، بيروت/لبنان، 1978، ص277.
[42]- وليد بوعديلة، شعرية الكنعنة، ص408.
[43]- نادية نواصر، صهوات الريح، من الصفحة 10 إلى
18.
[44]- نادية نواصر، أوجاع، ص77.
[45]- نادية نواصر، أشياء الأنثى الأخرى، ص63.
[46]- نادية نواصر، أشياء الأنثى الأخرى، ص61.
[47]-نادية نواصر، المشي في محرابك، ص14، 15.
[48]- نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، ص267،
268.
[49]- نادية نواصر، أوجاع، ص65.
[50]- نادية نواصر، صهوات الريح، ص19.
[51]- نادية نواصر، أشياء الأنثى الأخرى، ص41.
[52]- نادية نواصر، أنا اللاجئة إلى أعشاب صدرك،
ص23ومابعدها.
[53]- نادية نواصر، المشي في محرابك،
ص25ومابعدها.
[54]- نادية نواصر، أنا اللاجئة إلى أعشاب صدرك،
ص39.
[55]- نادية نواصر، أشياء الأنثى الأخرى، ص60.
[56]- نادية نواصر، حديث زوليخة، ص35.
[57]- نادية نواصر، أشياء الأنثى الأخرى، ص20.
[58]- نهاد مسعي، شعرية القصيدة النثرية الجزائرية،
ص 134.
[59]- وليد بوعديلة، شعرية الكنعنة، ص362.
[60]- هيا علي الشمري، شعرية الخطاب عند غازي
القصيبي، عين للدراسات والبحوث ، مطبعة الصحوة، الجيزة، 2011، ص93.
[61]- المرجع نفسه، ص96.
[62]- نادية نواصر، المشي في محرابك، ص67.
[63]- نهاد مسعي، شعرية القصيدة النثرية الجزائرية،
ص136.
[64]- نادية نواصر، لبونة صهد القلب، ص13.
[65]- هيا علي الشمري، شعرية الخطاب عند غازي
القصيبي، ص98.
[66]- نادية نواصر، أوجاع، ص94، 95.
[67]- نادية نواصر، أشياء الأنثى الأخرى، ص20.
[68]- المصدر نفسه، ص59.
تعليقات
إرسال تعليق