شعرية الخطاب في دواوين نادية نواصر:
مقدمة:
إنّ ما أنتجته المرأة العربية عبر مختلف العصور من أعمال أدبية شعرية أم
نثرية كانت ولا تزال في حاجة للبحث والكشف، وهذا منذ ظهور دعوات غربية تنادي
بتحرر الكتابة النسائية وحينها أُطلق عليها مصطلح "الأدب النسائي"، ليتطور
بعد ذلك في الثمانينيات حين ظهر مصطلح "النقد النسوي" الذي حاول معالجة
الغموض الناتج عن هذا المصطلح فهو لا يزال إلى اليوم موضع تناقضات واعتراضات
حول التسمية خاصة في النقد العربي، وقد أضحى الأدب النسائي إشكالية بحث أثارت
اهتمام العديد من النقاد والباحثين،فهل هو الأدب الذي تكتبه المرأة؟ هل يوجد
أدب نسوي مقابل أدب رجالي؟ وما هو المصطلح المناسب له؟ أنقول أدب نسوي؟ أدب
أنثوي؟ أدب نسائي؟ ومن هنا انتشرت الكتابات والبحوث حول الإبداع النسوي من
زواياه المختلفة، لكن الإشكالية التي لازمت الأبحاث حول هذا الموضوع هي: هل
لكتابات المرأة علامات خصوصية تميزها عن كتابة الرجل؟ وهذا ما أثار جدلا
واسعا في النقدين الغربي والعربي، ونقول النقد العربي لأنه في ستينيات القرن
الماضي برزت مجموعة من الأسماء الكبيرة ميزت الساحةالنسوية العربية بإبداعها
على غرار نوال السعداوي في مصر، غادة السمان في سوريا وليلى العثمان في
الكويت وغيرها من الأسماء التي أنارت الطريق أمام الأخريات لولوج الساحة
الأدبية الثقافية.
وفي الجزائر أصبح الإبداع النسوي في العقود القليلة الماضية محطّ اهتمام الباحثين في حقل الأدب الجزائري، وذلك بعد ظهور بعض الأقلام النسائية الجريئة التي ولجت الساحة الثقافية بنتاجاتها الأدبية نثرا وشعرا على غرار زينب الأعوج، مبروكة بوساحة، أحلام مستغانمي، نادية نواصر، زهرة بلعاليا، فضيلة الفاروق...إذ كانت الكثير من الدراسات والبحوث خلال هذه الفترة منصبة حول الخطاب النسوي من زوايا مختلفة، لما يحمله من قيم فنيّة وجمالية تحتاج إلى الغوص في بحرها والكشف عن مزاياها خاصة وقد خطّته أنامل الجنس اللّطيف الذي طالما أراد أن يكون له وجوده الخاص في ساحة الإبداع الأدبي على الرغم من ظهوره المتأخر،والحديث عن الإبداع النسوي في الجزائر فيه نوع من الارتباك خاصة إذا نظرنا إلى طبيعة المجتمع الجزائري وما يحكمه من عادات وتقاليد، إلاّ أنّ الفترة الأخيرة ميزها
الحضور المكثف للصوت النسوي، حيث خرجت معه اللغة النسوية من تحت جبّ العادات
والتقاليد وتحررت من قيود الصوت الذكوري المهيمن لتلبس ثوب الأنوثة وتصير لغة
شفّافة لها سماتها الخاصة.
ومن خلال هذا رأينا أن يكون مدار بحثنا هو الغوص في مكامن اللغة الأنثوية من
خلال كتابات الشاعرة الجزائرية "نادية نواصر"التي أنارت الساحة الأدبية
منذ بروز ثمرتها الأولى "راهبة في ديرها الحزين" سنة 1981فهيتعتبر من اللواتي
ناضلن لزمن ليس بالقليل من أجل تحرير إبداعاتها الأنثوية وولوج الساحة الأدبية
الثقافية في الجزائر، فقد أنتجت لليوم حوالي عشرين مجموعة شعرية، تجذبك
فيهماللغة إلى مخدعها وهي تتأبى الممانعة،فهل استطاعت لغة نادية نواصر
أن تحمل في ثناياها ما يميز لغة المرأة(الأنثى)؟ هل كانت لغتها مرهما لها
ولغيرها من اللواتي حاولن التحرر الثقافي والاجتماعي؟ هل تحققت سمات الشعرية
والجمالية في خطابها الشعري؟ وحتى ندرك تلك المفاهيم وجب أن نتساءل أولا كيف
استطاعت المرأة العربية عامة والجزائرية خاصة أن تؤسس لنفسها تجربة إبداعية
خاصة بحيث تنفّْس من خلالها عمّا يلوج في خلجاتها؟ بل كيف تمكّنت من جعل
إبداعها منافسا قويا لإبداع الجنس الآخر؟ كيف تجسدت الشعرية في النصوص
الإبداعية النسوية لترسم بها عالم المرأة الخاصوانطلاقا من هذه النقاط اخترنا
هذا البحث الموسوم بـ: "شعرية الخطاب في دواوين نادية نواصر".
وقد كان اختيارنا لهذا الموضوع رغبة منّا في الكشف عن أسرار الإبداع
النسوي والبحث عن سماته الخاصة انطلاقا من شعر نادية نواصر،لنضع أنفسنا والقارئ
أمام صورة الشاعرة نادية نواصر المرأة المبدعة بأن نرسم ملامحها الخاصة
اللّغوية منها والموضوعية، لتكتمل اللوحة بمشهد أنثوي بطبيعته الرقيقة
والحسّاسة.
وقد اقتضت طبيعة البحث أن نعتمد المنهج البنيوي لأننا قدّمنا هنا دراسة
وبحثا في بنية اللغة وعناصرها المكونة لها وعملنا به كذلك على دراسة بنية
الإيقاع، مع اعتمادنا على بعض المناهج الأخرى وبالأحرى المنهج الأسلوبي في بعض
العمليات الإحصائية.
وعبر تلك الإشكالات والتساؤلات حاولت هذه الدراسة الإجابة عنها تباعا في فصول الأطروحة والتي ترتبت وفق خطة محددة تشكلت من مدخل تنظيري وثلاثة فصولتطبيقية مسبوقة بمقدمة ومتبوعة بخاتمة؛ وكانالمدخلالتنظيري بشقين؛تناولنا في الأول منه تقديما لبعض مفاهيم الشعرية وتطورها في النقدين الغربي والعربي، مع إطلالة على إشكالية المصطلح(الشعرية) والاختلافات التي تبعته من وراء تعدد الترجمات على غرار الشعرية، الشاعرية...أما الشق الثاني فخصصناه للبحث في الإبداع النسوي في الجزائر وركزنا فيه على تتبع مراحل تطور الشعر النسوي في الجزائروخروج الصوت الأنثوي عن طوعه، وولوج المرأة عالم الإبداع الأدبي وتحديد أسباب تأخره مقارنة بالمجتمع العربي، مع إبراز أهم الموضوعات التي تناولتها المرأة الجزائرية في خطابها الأدبي،وأهم الخصائص التي ميزت إبداع المرأة الأدبي، أما الفصل الأول الموسوم بـ "أنواع الصورة الشعرية في خطاب نادية نواصر"بحثنا من خلاله في تشكيل الصورة في شعر نادية نواصر انطلاقا من الصورة الشعرية المفردة تشبيها واستعارة، ثم عرجنا إلى شعرية الصورة المرئية المتحركة، الساكنة والملونة، وخصصنا جزء من هذا الفصل لدراسة الصورة الرمزيةبمختلف أنواعها ديني، طبيعي وتاريخي، أماالفصل الثاني فعنوناه بـ"شعرية البنية التركيبية والنحوية في خطاب نادية نواصر" والذي ركزنا فيه على أسلوبي التقديم والتأخير والحذف لأنهما يبرزان ببساطة مدى قدرة الشاعر على الإبداع والوعي بأهمية النحو العربي ودوره في صناعة النص بلغة كلها جمالية وشعرية، ثم بحثنا في أهم الأساليب الإنشائية (الاستفهام والنداء..)، والنفي كأسلوب خبري،وكلها أساليب تبرز للقارئ الحالة الشعورية والنفسية للشاعرة وتضفي على النص نوعا من الجمال الفني الأسلوبي. أماالفصلالثالث فوسمناه بـ "شعرية البنية الموسيقية في خطاب نادية نواصر"درسنا فيه تقنيات التشكيل الموسيقي، وذلك من خلال البنية الموسيقية الخارجية التي برزت فيها القافية المتنوعة مع غياب الوزن عن النصوص الشعرية إلا في بعضها كديوان "لهالة يغني الصباح" الذي كان شعرا عموديا لعدة أسباب أهمها أنه كان موجها لفئة الأطفال فتميز بلغة بسيطة وأسلوب سهل وسلس، ثم عرجنا إلى الموسيقى الداخلية انطلاقا من الأصوات ودلالاتها وما تنسجه من جرس موسيقي داخل النص الشعري، ثم تطرقنا إلى
جمالية التكرار الذي يعد أبرز التقنيات التي اعتمدتها نادية نواصر في تشكيل
نصوصها الشعرية باستخدام التكرار بأنواعه (تكرار الحرف، تكرار اللفظة وتكرار
الجملة)، لننهي عملنابخاتمةأجبنا فيها عن أهم التساؤلات المطروحة في
المقدمة، وذلك من خلال عرض بعض النتائج التي توصلنا إليها بعد رحلة البحث في
دواوين نادية نواصر التي تعد أنموذجا من نماذج الشعر النسوي الجزائري الحديث
والمعاصر، وبحثنا في هذا الموضوع لم يأت من فراغ
بل سبقته جهود كان لها الفضل في إثراء الساحة الأدبية
الجزائرية بأعمالهم ودراساتهم حول الخطاب النسوي الجزائري ومن أبرز الأعمال
التي عالجت هذا الموضوع نذكر دراسة لفضيلة الفاروق موسومة بـ (التجربة
الإبداعية النسائية في الجزائر)، وما قدّمه يوسف وغليسي في كتابه (خطاب
التأنيث).
وأثناء مسيرتنا في هذا البحث اعتمدنا على عدة مراجع من
أهمّها بعض كتب الغداميمنها: (المرأة واللغة)، كتاب (تأنيث القصيدة والقارئ
المختلف)، كتاب (خطاب التأنيث) ليوسف وغليسي، وكذا (الشعر النسوي العربي في
الجزائر) لناصر معماش،وككل الباحثين فقد اعترضتنا بعض الصعوباتخاصة
المراجع المتعلقة بالإبداع النسوي الجزائري بصفة خاصة، حيث لم تحظ المكتبات
كثيرا بهذا النوع من الكتب إلّا إذا عدنا للرسائل أو الكتب والمجلات
العربية.
وفي الأخير لا يسعنا إلا أن نتقدم بجزيل الشكر والعرفان للمشرف الأستاذ
الدكتور"السعيد بوسقطة" الذي لم يبخل علينا بمجهوداته
العلمية ونصائحه التي أرشدتنا طيلة فترة إنجاز هذا البحث، كما لا ننسى تقديم
الشكر لكل أستاذ أمدنا بيد العون ولو كان معنويا.
ونرجواأن تكون هذه الدراسة هادفة ومرجعا يستفيد منه كل باحث، ومن الله نسأل التوفيق والسداد.
تعليقات
إرسال تعليق